يتأرجح الإنسان ما بين أن يكون هو ذاته وما بين أن يخدع الناس بمظهره الخارجي بما هو ليس ذاته… وهنا يقع الإنسان في هذه الإزدواجية أو النفاق الذين هما أخطر ما يمكن أن يعيشه المجتمع لان الثقة تنعدم والمصداقية تصبح حلم يتمناه الكثيرون…. وإذا نظرنا إلى عالمنا اليوم وخصوصاً الاديان والمذاهب الموجودة فيه، نرى بان هذه الاديان كلها تدعو إلى الصلاة وتجعل من العمل الصالح هدفاً وغاية لها، وهذا امر جميل جداً. فالدعوة إلى الصلاة والعمل ليسا بالشيء الجديد بالنسبة للإنسان… ولكن إيماننا ويسوع الذي هو أساس هذا الإيمان يقدمان ما هو جديد، لا تكثروا من الصلوات والادعية، وأن لا نختار الكلمات الرنانة التي لها تأثير خاص على نفسية الإنسان… فنجعل من الصلاة دون ان ندري علاجاً نفسياً، بعيداً عن حقيقة الإيمان…
إن ما يريده يسوع منا هو ان تكون صلاتنا حقيقة تعاش، ان تكون صلاتنا هي حياتنا بجملتها، وليس وقت معين نخصصه أو حالة معينة نعيشها… أن تكون كلمات صلاتنا هي اعمالنا نفسها، فما أجمل أن تكون اعمالي هي نفسها صلاتي… فقط عندما يتحقق هذا، يكون بمقدور الإنسان أن يصلي فعلاً، مهما كان مستواه الثقافي والأجتماعي والعلمي… فنكون بحق صلوات ينظر إليها الناس فيصلون ويعبرون عن انتمائهم إلى الرب بهذه الصلوات، ونكون بمثابة المشجعين الذين يبثون روح الحماسة وروح الصلاة في نفوس الناس، فيكون ملكوت السماوات ليس ببعيد عنا… فالإيمان ليس تكرارا للتعابير فقط، انا اؤمن، يا رب يا رب، بل أن نسمح لله أن ان يكون هو الأول والأخير في حياتنا…. أن نعي نقتنع فعلا بهذا الإيمان وإلا فنحن نعيش في كذبة كبيرة….
عندما نعيش بهذه الصورة، تنبت فينا وتكبر تلك الشجرة التي تكلم عنها يسوع، شجرة مليئة بالثمر، ثمار مزروعة في أرض المحبة التي هي نحن، ومروية بالإيمان الحق، لا كاشجار إصطناعية، تحمل ثماراً كاذبة… عندما نعيش بحق وتكون حياتنا كلها صلاة، فسنكون اناس يعيشون ما يقولونه، وبعكس هذا سنكون كاذبين نضحك على الآخرين ونضحك على أنفسنا، وما أسهل الضحك على الآخرين، ولكن اصعب ما يعيشه الإنسان هو ان يضحك على نفسه، والذي يضحك على نفسه، يعيش كذبة كبرى فتكون حياته عبارة عن كذبة يصدقها الناس، وتكون بمثابة الأساس الهش الذي يبنون عليه حياتهم وإيمانهم…
نستطيع أن نتكلم عن عيش الإنسان بهذه الطريقة، أي أن يعمل ما لا يقول، على مستويين، مستوى الوعي ومستوى اللاوعي: فعندما لا يعي الإنسان بانه يعمل ما لا يقول، ويعمل بما لايؤمن به، ويدع ما يؤمن به داخل الكنيسة فقط، أما في الحياة العملية فلا صلة بيني وبين إيماني، هنا الإنسان يقع في الإزدواجية، والكثير منا يعيشون هذه الإزدواجية، فهم لا يعون انهم يعيشون هذه الكذبة وهذا الفرق الكبير بين إيمانهم وبين حياتهم…. وهنالك من يعرفون انهم لا يطبقون ما يقولون وما يصلون، وهنا يكمن النفاق، أن تعرف كل المعرفة بانك تكذب على نفسك وعلى الآخرين وعلى الله… فإذا لم نكن واعين، فلنعي انفسنا والإزدواجية التي نعيشها، وإن كنا واعين بما نفعله، فلنقّوم طريق ميرتنا حتى نكون جديدرين بالفعل بان نسير فيها بحق وبكل قناعة…
لنجعل إخوتي واخواتي من قلوبنا أرضاً صالحة، لتنمو فيها تلك الشجرة التي يريدها يسوع أن تنمو فينا، والتي مهما تأخر نموها ومهما هاجمتها الأدغال، فلا بد ان تثمر يوما ما ثلاثين وستين ومئة، عندها فقط نستطيع ان نقرب صلاتنا ونحن واثقين بأن الرب يستجيب لنا ويشركنا في حياته إلى الأبد …. آمين
زينيت