ما ان ساقت إحدى الوسائل الإعلامية اتهامات بحق دير "راهبات سيدّة الخدمة الصالحة" في جبولة، بأنه يبيع الأطفال اليتامى، حتى انتشر الخبر ما بين مصدقٍ ومشكك، واستنكار عائلات تبنّت أولادها
من الدير لقاء لا شيء وفق تأكيدها.
"النهار" قصدت الرئيسة العامة للدير الأم باسكال خضره التي أعربت عن أسفها للأخبار والإفتراءات التي طالت الدير. "إنه كلام معيب ومسيء بحق رسالتنا الإنسانية" تقول، "عملنا هو رسالة وما نقوم به هو واجب لا أكثر، ولم يطلب الدير يوماً أي قرش من عائلة تتبنى طفلاً، ولا يحق للدير بأن يطلب بدلاً مادياً لقاء عملية تبني". وتضيف "ثمة عائلات ترغب في تقديم مساهمة لتغطية جزء ضئيل من مصاريف الطفل الذي تبنته قبل انتقاله الى بيتها"، وهناك "من يساعدنا في تأمين مستلزمات أطفالنا الآخرين". وتوضح بتأثر: "نحن نعيش وسط أعجوبة دائمة، لجهة توفير الحد الأدنى من حاجات الدير وتغطية نفقاته، ولا أخفي أنه بفضل بعض الخيرين والأشغال اليدوية التي ننجزها والمؤن التي ننتجها نتمكن من رعاية الاولاد وتوفير حاجاتهم".
عملية التبني…كيف تتم؟
أطفال كثر موجودون في المؤسسات الإجتماعية، أو في دور للأيتام، في انتظار من يتبناهم. فكيف تتمّ عملية التبني؟ وهل ثمة شروط قانونية تلتزمها راهبات سيدة الخدمة الصالحة؟ تشرح الأم خضره الآلية التي يعتمدها الدير: "قبل أن نتسلّم الولد اللقيط المرمي أمام الدير رسمياً، نبلّغ المخفر الذي يُحرر محضراً مفصلاً عن الولد ويرسله إلى المدعي العام التمييزي، الذي يدرسه. وما أن يتأكد من أن الطفل مجهول الهوية، وبناء على طلبه، يصبح الطفل في عهدتنا رسمياً ونحفظه في الدير".
ثمة معايير لتبني الاطفال، تقول الأم خضره، بداية اذا كان الشريكان لا يستطيعان الإنجاب يتقدمان بطلب تبني، شرط ان يجمعهما الحب والعاطفة، وان تكون العائلة قادرة على توفير الإستمرار له "فلا تعيده الينا بعد فترة بذريعة عدم قدرتهما على تربيته أو غير ذلك"، وتوضح: "دائماً ننتظر الوقت الملائم كي نقدم الولد للتبني، اذ لربما عادت الام الأصلية وكشفت عن هويتها وطالبت بطفلها، لهذا يستغرق الأمر وقتاً قبل الموافقة على اي عملية تبنٍ". وتشير الى انه في القانون اللبناني "اللقيط" طفل مجهول الأبوين، ووفق قانون الأحوال الشخصية، يمكننا كجمعية مرخّص لها، بعدما نتسلّم الطفل، أن تُصدر وثيقة ولادة يوقّعها مختار المحلّة، فتصبح للقيط هوية لبنانية باسم ننتقيه، ونختار له ايضاً اسم عائلة، مع اسمين مستعارين للأم والأب".
إذاً، قرار إعطاء الطفل إلى عائلة يعود إلى المدعي العام بعد التحقق من أن عائلة تتكفل برعايته وتأمين عيش كريم له. تتسلّمه العائلة من الميتم بأمر من المدعي العام، الذي يزودها أوراق علم وخبر تثبت أن القانون يسمح للدير باستقبال اللقطاء، ومحضر الدرك الذي يتضمن كيفية وصول الطفل إلى الدير، فضلاً عن إفادة من الدير بالتنازل عن الولد ومنحه إلى العائلة التي طلبت تبنيه، مما يسهّل تسوية المعاملات القانونية له. "نسلّم الولد للعائلة بحضور المدعي العام التمييزي، لتتولى المحكمة الروحية الملف، على أن تسوي العائلة المتبنية المعاملات المتبقية مع الأحوال الشخصية والدوائر الأخرى".
نموذج
كان الطفل سامر مجهول الأبوين، قبل أن يتبناه جورج وزوجته سمر في دير "راهبات سيدّة الخدمة الصالحة"- جبولة في البقاع، الذي يُعنى بإيواء الأيتام واللقطاء، وقد أنجز الزوجان عملية التبنّي قبل عام، وكان عمر الطفل لا يتجاوز الأشهر القليلة.
لم يكن جورج وسمر يفكّران بالتبنّي، رغم رغبتهما الشديدة في أن يكون لديهما ولد، لكن بعد مرور سنوات يئسا فيها من الإنجاب اتصل جورج بالأم خضره، وطلب منها ولداً للتبني، فكان جوابها: "الولد أمانة لدينا، وعليك التوجه الى المدعي العام التمييزي لتقديم طلبك".
روى جورج تفاصيل ما جرى وكيف تمت عملية التبني: "قصدت وزوجتي الدير وتحدثنا إلى الأم خضره لنعرّفها عن أنفسنا وعن مدى رغبتنا في تبني، ولد بعد 12 عاماً من استنفاد كل الوسائل الطبية في لبنان والخارج من دون جدوى". أرشدتنا الى طريقة التبني الرسمية، التي تنطلق وفق قرار المدعي العام التمييزي". قدّم جورج المستندات المطلوبة إلى المدعي العام فريد كلاس، الذي تقصى عن العائلة ثم أصدر قراره للدير بتسليم الطفل سامر إليها. "بعد شهر من الإنتظار زفّتنا الراهبة بالخبر السعيد"، يقول أبو سامر. ويعبّر بفرح عن مدى تعاطف الأم خضره معهم، "وتعاملها معنا بإنسانية مطلقة، وخصوصاً لدى تسليمنا الولد بناء إلى إشارة المدعي كلاس وباشرافه".
استغرب أبو سامر سؤالنا عمّا إذا طلبت منه الأم خضره مبلغاً من المال لقاء تبنيه سامر، فأجاب ممتعضاً: "تعاطت معنا الأم خضره بمحبة لا توصف، حتى أنني لم أجرؤ على أن أعرض عليها ما إذا كان يترتب علينا دفع أي مبلغ مادي، ولو رمزي، بالعكس كنت كلما ترددت إلى الدير تحمّلني ما توفر من مؤن من دون مقابل، إلى درجة بت أخجل من الأمر". ويقول مغتبطاً: "الله ما عطاني ولاد لينعم عليّ بسامر".
ستون عاماً من العطاء
تستمر مسيرة الدير في الخدمة والعطاء منذ 60 عاماً، وفي هذا السياق، تلفت الأم خضره إلى أنها تتقلى بصورة مستمرة إتصالات من مقيمين في الدول العربية والأوروبية وغيرها بطلب التبني، خصوصاً "أنه من المياتم المدرجة على لوائح المياتم الموثوق بها لجهة التبني".
يضم دير "راهبات سيدّة الخدمة الصالحة"- جبولة مدرسة وميتماً يحضن 110 أطفال من يتامى، مشرّدين، ومن هم في حالات إجتماعية صعبة، من دون تمييز طائفي، مذهبي، عرقي أو غير ذلك، على ما تفيد الأم خضره، "لنشهد على محبّة الرب لكل إنسان متروك، وإيماناً بما قاله يسوع: "كل ما تفعلونه بأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فبي فعلتموه".
نيكول طعمه / النهار