بعدما اعتبر نفسه "ملك العالم" اثر فوز فيمله الاسطوري "تايتانيك" بمعظم جوائز الاوسكار لعام 1997 حضر جيمس كاميرون الى مسرح "كوداك" مساء الاحد (صباح الاثنين بتوقيت بيروت)، وفي باله ربما ان النجاح الجماهيري غير المسبوق لفيلمه الجديد "أفاتار" سيحرج أعضاء الاكاديمية البالغ عددهم 6000، لكن التاريخ لم يكرر نفسه، اذ ظل صاحب الفيلم الاكثر تكلفة وايراداًَ (كلف نحواً من 400 مليون دولار وبلغ مجموع عائداته مليارين ونصف مليار دولار)، منتظراً تلك التماثيل الذهبية التي لم تأته قطّ.
كاميرون أراد الزبدة وثمن الزبدة، لكن هوليوود فضلت التوزيع بنسب متعادلة. فكانت الزبدة من نصيب كاترين بيغلو وفيلمها "خزانة الألم" ذي الموازنة الضئيلة نسبياً (11 مليون دولار)، اما ثمن الزبدة فلكاميرون. بقدر ما يبدو استبعاد "أفاتار" مستغرباً في زمن تريد فيه هوليوود أن تُجري فتوحات جديدة لعالم السينما من خلال اسمى ما توصلت اليه تقنية الابعاد الثلاثة، يبدو هذا الاهمال مفهوماً اذا استندنا الى الواقعة الآتية: معظم اعضاء الاكاديمية من الممثلين. لذا كان الانتقام صريحاً من فيلم لا يولي التمثيل الشأن الأعظم (خلافاً لـ"تايتانيك")، ويمكن القول انه ميال الى الاستغناء عن اللحم الحيّ لمصلحة الغرافيكس، لا بل انه يغرق هذا النبض الانساني وسط المؤثرات البصرية. أما التجارب فأثبتت على مر السنوات أن المطلوب في الافلام الاوسكارية حداً أدنى من التمثيل. علماً أن كاميرون حرص على دمج الجسد الحقيقي للانسان (الوجود) بديكورات افتراضية خلاّبة (لا وجود لها) خرجت من مصنعه من دون أن نرى بينهما اللحمة الصناعية، أي الفاصل، بين الانسان وشبيهه.
وكان كاميرون، البالغ 56 عاماً، قد اجتاز عقداً كاملاً (التسعينات) من دون أن يقدّم فيلماً روائياً طويلاً واحداً. لكنه كان مستنفراً على الدوام، منتظراً بلوغ التقنيات في مجالي الصوت والصورة مرتبة عالية من الدقة كي ينقب عميقاً في مخيلته. بعد عقد ونيف من الصمت المهيب، جاءنا بعمل أقل ما يمكن القول فيه انه كان يستحق أن يكابد سينمائيٌّ مثله المشاق والصعاب والصراع (مع الذات أولاً) من أجل تحقيقه. ذلك أننا حيال سينما تقفز بنا من مرحلة زمنية الى أخرى. انه، ببساطة، مانيفستو لما ستكون عليه سينما العقود المقبلة. من خلاله، يخاطب سيد شبّاك التذاكر مُشاهد اليوم ومُشاهد الأمس في آن واحد. وأيّ فيلم أفضل من هذا لنختم به عقداً ونشرع في آخر؟
نصل الى "خزانة الالم" الذي لم نشاهده بعد. هذا الفيلم الذي عرض في مسابقة "البندقية" عام 2008 مرّ هناك من دون أن يترك خلفه اثاراً بالغة في النفوس. صوّرت فيه بيغلو ما يتعرض له مفكّكو الألغام في العراق في يومياتهم. فجأةً شق الفيلم طريقه نحو العالمية. كان يُعتبر "الخروف الاسود" لدورة هذه السنة نظراً الى الموازنة الضئيلة التي حظي بها. لكن هنات "أفاتار" صبّت في مصلحته. في يوم المرأة العالمي، اصبحت كاترين بيغلو المرأة الأولى تنال جائزة أفضل مخرج (ة). ولم تكتف بحمل جائزتها بل حملت أيضاً تمثال "أفضل فيلم" الذي يعود عادة الى المنتج.
شيئاً فشيئاً تصاعد الاهتمام بـ"خزانة الألم" الذي لم يجلب الاّ 13 مليون دولار على شبّاك التذاكر. واذا كان "افاتار" تغلّب عليه في حفل توزيع "الكرة الذهبية"، فجوائز السينما البريطانية (البافتا) كانت من نصيبه. ويقال إن هذا الفيلم هو الاقل تكلفة بين الأفلام المشاركة أبداً في هذه الفئة. أهدت بيغلو تمثالها الى العسكر، رجالاً ونساء، الموجودين في العراق وافغانستان، وتمنت لو يعودوا بخير، من دون أن تذكر ضحايا من جنسيات أخرى.
إذاً فقدت الاوسكارات في طبعتها الـ82، ظاهرة السنة السينمائية، خلافاً للعام الفائت والانفتاح الذي ابدته حيال ظاهرة "المليونير المتشرد" لداني بويل. لا شيء كان محسوماً، وكل احتمال كان ممكناً، مما جعل روجر ايبرت، أحد كبار النقاد في أميركا، يعرب عن حيرته حيال النتائج التي كان من الممكن الخروج بها في هذا الحفل.
اللافت هذه السنة، هو انتقال عدد الافلام المرشحة في فئة "أفضل فيلم" من خمسة الى عشرة (آخر مرة جرى العمل بهذه الصيغة كانت عام 1943 فاز خلالها "كازابلانكا" لمايكل كرتيز)، ولا نعرف الاسباب الفعلية التي جعلت الأكاديمية تتخذ هذا القرار، الا اذا كان المسوغ محض تسويقي (5 × 2 يبدو انها كانت النكتة المفضلة في هوليوود)، علماً أن ثلثي هذه الأفلام ليست أفلاماً "أوسكارية". في السياق نفسه، طلبت الاكاديمية من اعضائها التصويت للأفلام العشرة المرشحة، وترتيبها وفق اعجابهم بهذه الافلام، في حين كان يُطلَب اليهم في الأعوام الماضية التصويت لفيلم واحد ووحيد.
لا أحد الى الآن يعرف حقاً على أيّ أسس يستند عادةً الاكاديميون للتصويت لهذا الفيلم ولإبعاد ذاك. التجارب أثبتت أن أسوأ الخيارات ممكنة. الفيلم المتواضع "شكسبير مغرماً" أطاح مثلاً "الخط الأحمر الرفيع". العمل الهائل لماليك هزمه فيلم عادي، فاتر، وذو نظرة فارغة. الاذواق والامزجة الشخصية هي دائماً الكلمة الفصل وتتغير بين زمن وآخر. فمعايير الانتقاء التي كانت سائدة في الخمسينات لم تعد هي نفسها المتبعة اليوم، والعكس صحيح، مع وفاء الاكاديميين الدائم للمكوث المحتم بين الانفتاح على التجارب الحديثة والميل المحافظ.
من هنا يجب التذكير دائماً بأن كلاًّ من هاورد هوكس، ستانلي كوبريك، ألفرد هيتشكوك، أورسون ويلز، لم ينالوا قط هذه الجائزة في فئة أفضل مخرج. لا شك ان الاوسكارات تدين باعتذارات كبيرة الى الذين ارتكبت تقصيرات فادحة في حقهم، هؤلاء الذين رسموا الصورة الأكثر خلوداً للسينما الأميركية.
اذاً، تحت سماء ممطرة دخل نجوم هوليوود أمس مسرح "كوداك". المظاهر "قصة كبيرة" في هذا الحفل الذي، في مكان ما، هو ايضاً استعراض للملابس المزركشة والبراقة، للتافتا والأورغانزا، ولإمرار الدعايات الباهظة الثمن على المحطات الفضائية، بقدر ما هو احتفاء بإبداعات السينما الأميركية.
الترجيحات والتخمينات على محطة "فوكس موفيز" شقّت دربها المعتاد. انها ممارسة صحية، وليست ساذجة، كما يقول عنها صحافي زميل. فهي تشكل مناسبة أخرى للحكي عن الأفلام ومناقشتها ومقارنة بعضها مع البعض الآخر، ضمن تراث سينيفيلي عريق يأتي ببعض الدفء الى قلوب المشغوفين بالسينما.
45 في المئة من مشاهدي المحطة المذكورة، كانوا يمنحون الارجحية لـ"أفاتار". ثمة مقارنات عقدت على مرأى ومسمع من الجميع. قدّم آليك بالدوين (أعلن أخيراً رغبته في اعتزال السينما بعد مشوار فاشل لم يوصله الى أي مكان) وستيف مارتن الحفل. كانا طريفين الى اقصى حد. جرى تقديم عدد من المدعوين بالسخرية والهزء. تحرشا بالحاضرين جميعاً وأطلقا نكات محورها ميريل ستريب وجورج كلوني ولم يوفرا أحداً من شرّهما المحيق. بقدر ما كانت جوائز الــ"سيزار" متكلفة، جاءت الـ"اوسكارات" ممتعة ومضبوطة من دون انقطاعات في النبرة. "أليس هذا مخرج "أفاتار؟"، يقول مارتن، قبل أن يضع هو وزميله في التقديم نظارات ثلاثية البعد للنظر اليه. "يا الهي، هناك مات دايمون"، يصرخ آليك بالدوين، قبل أن يأتي دور زميله: "هناك كريستوف والتز، الكولونيل النازي المهووس بالبحث عن اليهود". التصفيق كان حاراً والضحك اجتاح الصالة الجميلة بروج طيبة. الحفل الذي أرجئ انعقاده لنحو اسبوع كي لا يتعارض مع الالعاب الاولمبية الشتوية التي جرت في فانكوفر، كان كلام الجميع فيه متوازناً ومضبوطاً، ضمن نطاق المساحة الزمنية المعطاة لهم. والحق أننا لم نسمع تأتأة من أحد. لم تنس الاكاديمية الغائبين، ووجهت تحية كبيرة الى المخرج الراحل جون هيوز. صعد على المنصة بعد من الذين وقفوا امام كاميراته وقالوا كلمة في تكريمه. تم وقف الجميع احتراماً لوجود روجر كورمان ولوران باكال في الصالة.
من الأشياء العجيبة في الحفل، حصول ساندرا بولوك على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في "الجانب الاعمى"، هي التي مُنحت عشية الحفل جائزة "رازي" لأسوأ ممثلة عن فيلم آخر، ذهبت لتسلمها بكل رحابة صدر. وها ان القدر ينتقم لها. لم نشاهد جديدها التمثيلي، لكن بولوك (67 في المئة من الذين تم استفتاؤهم كانوا يرجحون فوزها بالجائزة)، لم تبد أي موهبة طوال سنوات وقوفها قبالة الكاميرا. لكن مصنع الأحلام يفرض هذه الفتاة العادية في عدد من الكوميديات الباهتة ولا يزال مصراً على تسويقها. بولوك اطاحت ميريل ستريب وهي الممثلة الأكثر ترشحاً للاوسكارات (16 مرة)، والاقل اكتراثاً لنيل هذه الجائزة كما كان يبدو من كلامها لدى سيرها على السجادة الحمراء. دائماً في فئة التمثيل قسم البطولة المطلقة، نال جيف بريدجز الجائزة عن دوره في "قلب متيم"، وهو التكريس النهائي لهذا الممثل المهمش نسبياً. حيّا والديه، وقال ان الجائزة تكرمهما بقدر ما تكرمه، شاكراً المرأة المتزوج منها منذ 33 عاماً.
الخاسر الأكبر في الحفل كان "في الهواء" لجايسن رايتمان. منذ زمن بعيد، لم نشاهد فيلماً كوميدياً على هذا القدر من الثراء الفكري والذي يبعث بإشارات الى عالمنا الحالي الذي يشكو أزمات كثيرة. رايتمان (ابن المخرج المتواضع الطاقة ايفن، صاحب الأفلام التجارية الصريحة)، ابدى لؤماً منذ أول أفلامه، ومذذاك يتصاعد هذا المنحى في عمله، الى ان وقع أخيراً على القصة المثالية (الصرف التعسفي لموظفين على يد رجل بارد الاعصاب ينقلب الدهر عليه) والممثل المثالي (جورج كلوني) والزمن المثالي (الأزمة الاقتصادية في أميركا الحالية) لأفلمتها.
في فئة أفضل صورة، نال ماورو فيوريه الجائزة عن عمله الطموح جداً على "أفاتار" بالأبعاد الثلاثة. الأفلام الاخرى (لا سيما روبرت ريتشاردسون الذي أضاء "السفلة المجهولون" لكوانتن تارانتينو) لم تكن أقل أهمية، لكن الموضة اليوم في هوليوود ميالة الى بعث الحياة في تقنية يقال ان عودتها الثالثة ستكون نهائية، هذا اذا لم تطحها ادعاءات بعض الدراسات التي تقول بأنها مضرة. قال فيوريه: "اهلي جاؤوا الى هذا البلد مع اربع حقائب وحلم. وها انا هنا اليوم".
جائزة السيناريو مهمة، ويقول روجر ايبرت عنها إنها الثانية في ترتيب أهم الجوائز بعد "أفضل فيلم"، ومن ينالها يعني أنه انجز ثاني أهم فيلم في هذا العام. وهنا سؤال أساسي: هل يحكم اعضاء الاكاديمية على النص أم على النص الذي جرت أفلمته على الشاشة؟ أياً يكن، لقد نال مارك بول جائزة أفضل سيناريو أصلي عن "خزانة الألم"، لكن كان من الممكن أن تذهب هذه الجائزة بسهولة الى "السفلة المجهولون". عن الفيلم نفسه، نال كريستوف والتز أفضل دور ثانوي وهو من القلائل تأكد فوزهم منذ البداية. وقال عنه كوانتن تارانتينو الذي اعطاه دور الكولونيل النازي هانس لاندا في هذا الفيلم إنه حين كتب هذا الدور لم يعرف ما اذا كان سيجد الممثل الذي من الممكن تجسيده. ولكن حين وجده صرخ "يا الهي".
في فئة أفضل ممثلة في دور ثانوي، حدث ما كان يتوقعه كثيرون. حازت الممثلة الفكاهية مونيك بالجائزة، عن شخصية الام المتسلطة والعنيفة التي اضطلعت بها في "براسش"، وهي النمط الذي يعجب ذوق اعضاء الاكاديمية. شكرت الجميع لأن الجائزة هي للاداء وليس للسياسة. لي دانيالز لم يستطع أن يكون أول رجل أسود ينال جائزة "أفضل مخرج". وبقي تارانتينو بعيداً عن التقدير، أما رايتمان فلم يجد مكاناً دافئاً في قلوب اعضاء الاكاديمية على رغم الحفاوة النقدية التي استقبل بها فيلمه "في الهواء".
• أفضل فيلم: "خزانة الألم" لكاترين بيغلو.
• أفضل مخرجة: كاترين بيغلو عن "خزانة الألم".
• أفضل ممثلة: ساندرا بولوك عن "الجانب الاعمى".
• أفضل ممثل: جيف بريدجز عن "قلب متيم".
• أفضل ممثل في دور ثانوي: كـ. والتز عن "السفلة المجهولون".
• أفضل ممثلة في دور ثانوي: مونيك عن "براشس".
• أفضل سيناريو أصلي: مارك بول عن "خزانة الألم".
• أفضل سيناريو مقتبس: جيفري فليشر عن "براشس".
• أفضل فيلم تحريك: "أعلى" لبات دوكتور.
• أفضل أغنية في فيلم: راين بينغام وت. بون برنت عن "قلب متيم".
• أفضل فيلم قصير: The New Tenants.
• أفضل فيلم تحريك قصير: "لوغوراما".
• أفضل فيلم وثائقي قصير: Music by Prudence.
• أفضل تبرّج: بارني بورمان وميندي هول عن "ستار تريك".
• أفضل ادارة فنية: "أفاتار".
• أفضل ميكساج صوت: بول أوتوسون عن "خزانة الألم".
• أفضل مونتاج صوت: بول أوتوسون عن "خزانة الألم".
• أفضل صورة: ماورو فيوريه عن "أفاتار".
• أفضل ملابس: ساندي باول عن "فيكتوريا".
• أفضل موسيقى: مايكل جياكينو عن "أعلى".
• أفضل مؤثرات بصرية: "أفاتار".
• أفضل مونتاج: "خزانة الألم".
• أفضل فيلم أجنبي: "أسرار العيون".
هوفيك حبشيان – النهار