في معرضه الاستعادي الذي يضم جديداً في فنه يترامى الفنان حسين ماضي في فضاءاته التشكيلية والجمالية بين اللوحة والمنحوتة مقدّماً هذه الاختبارات التجريبية التجديدية منذ ازمنة محتدمة متبدلة ضارية،
كان الفنان يؤسس للفن الذي يبدعه على صعيدي الشكل والمضمون اذا شئنا ان نحسب نتاجه الذي يتقدّم فيه عبر تسعين عملاً فنياً وبمواد مختلفة، بقلم الرصاص وقلم الفحم والفوزان والاحبار السوداء والبنية واللوحات الورقية والقماشية والسطوح الخشنة الجديدة الحروفية والنساء العاريات ولوحات الطيور منحوتات المرأة والثيران وحتى التفاح ثم لوحات الالوان المائية وكأن اعماله مترابطة وتصدر عن روح فني جامح، متوتر متواتر في اصطحابه واصطراخه عبر قوافل الالوان قبائلها وعشائرها وكأن لم يكن عليه سوى ترويض الالوان وترويعها لاستثمارها واستنهاضها من سباتها وغفلاتها، واحياء مواتها، وبعثها من هيولا ووجودها بالقوة الى وجودها بالفعل وتوطينها عبر اللوحات في تعاشقات وتعالقات وخطوط محمولة على قوتها وانشداداتها الضوئية خطوط غامقة وفاتحة تحوق وتحيط بالاشكال البشرية التي يتراسمها وخاصة المرأة جالسة ومستلقية لابسة، وعارية وبأوضاع فنية استثنائية غير مألوفة·
هذا الفنان الشامخ الكبير الذي لديه كبرياء الانسان يتناثر ذلك في فنه ويشكّل جاذبيات بصرية لا حدود لها في اعماله التي تحتفي بالبصر والبصيرة وتتنافد وتتناضح بين الداخل والخارج، رغم لوحته الشرقية الاشراقية لوحة البعد الواحد، واثار حروفية تتجلى في اعماله التي يتكاتبها ويتقارؤها بالخطوط والألوان، ومعادلات الاخضر والبني، والازرق الاصفر والبرتقالي والاحمر في توازنات الحار الساخن الدفيء والفاتر، حتى لو راكم هذه الالوان في لوحاته، وذهب في ردمياتها وانقاضها عبر مقامات الطيور المموسقة الحركة والتراتب والمموسقة الالوان، هو الذي جرب لصفاء مساحاته اللونية الخلوية قص الورق الملون، وصياغة لوحة منه، واللوحات المهندسة فيها مقامات الضوء واللون والموسيقى، بين الحار والبارد وفيها براعات بصرية فائقة الروعة والجمال وهذا يتجلى عبر النساء او المرأة التي يتراسمها ويتصاورها ويتحاورها ويسائلها عن الافتتان، والصبابات والغوايات التي فيها وعن فضاءات الرغبات الملوّنات في الثياب والفرش والبورتريهات المزخرفة والفساتين عبر ايحاءات منمنمات الزهور، كل ذلك يفعله الفنان في تقمص لوحته والتوحد معها، وتنويع نغماتها وتوريقها وتوريفها بالألوان المحتدمة الضارية المصطخبة، المصطرخة في جواهرها واعراضها في ايحاءاتها ودلالاتها ورموزها وعلاماتها ان فلسفة جمالية خاصة يصدر بها الفنان في اعماله التشكيلية لوحة ومنحوتة، وهندسات مرئية ولا مرئية ومرايا يعتكسها في دخيلته وفي جسده وروحه يساورها ويساررها للوصول بها الى اضطرام جمالي يتجاسد في المبنى والمعنى الذي يتطارحه ويتجارحه في اعماله! وكأن البحث عن الفنان حسين ماضي في عوالمه الحلمية والضوئية والواقعية لا بد له من دربة ومهارةوخبرات في الرؤى الفنية والرؤية التي يتزاوج فيهما ويتصاهرهما في افرانه الداخلية ذلك الذي هضم المؤثرات الغربية والشرقية وخرج بها في معمعة جمالية عبر اشتقاقات ألوانه وكيماوياتها وعمارة لوحاته ومنحوتاته وبناها وتكاوينها الغنائية والبنائية والتعبيرية فيها والفونات التجريدية والروح التراثية في المنطقة، وربما ابعد من ذلك وكأنه ذلك الاندلسي الحضاري الذي ما زال يختبر روحه ورؤاه الجمالية في نيران العالم، وتحوّلاته وانفجاراته العنيفة بين الحياة والموت·
والفنان طبيب جمالي ماهر في تشريح وتجريح لوحاته وتقطيع منحوتاته فهو في تفاصيلها حاد مدبب مروس في التفاصيل والمساحات الملونة والخطوط وهو يستنفر الروح فيها كما يستنفر الجسد، ويتعازف الموسيقى ويضرم الايقاعات الحادة والمنتظمة عبر هذه الهندسات والمدوّنات الجمالية، التي في انحائها وثناياها وطواياها تتصارخ الاصوات والانغام، وكأنه في انتظام عواصفه وهبوبها واندلاعها اللوني والخطي يتغنى لوحاته بجودها ويتطاريها ويغيم ويغيب في تقاسيمها وسريرها الشرقي وكأنه يتجوى ويتجون فيها ويذهب في مناخاتها الانثوية، الى العشق والتوحّد والشفافة والرهافة والنار والرماد على اعتبار الاسئلة التي يتطارحها ويتجارحها فيها وعلى اعتبار الاشكالات والخلاصات والاختزالات وحساسية الخطوط واختصاراتها ليونتها ووترياتها وايحاءاتها الشعرية احياناً ولياليها ونهاراتها في الابيض والاسود، انه في معترك الجسد البشري الانثوي على وجه الخصوص وفي نسائه اللواتي تحوّلن الى ايقونات رافلة بالجماليات الغفيرة وتحولن الى معشوقات عاريات في توضعات اغرائية احايين اخرى، وكأن حسين كفنان يترجح بين الجسد والروح بين المادي والميتافيزيقي وفي قراءة اعماله قراءة حدسية وذوقية لا بد من العثور على بواطن جمالياته وظواهرها، خاصة في سيرته اللونية والخطية والنحتية التي تتضايفها الطيور والغربان الحمائم والعصافير، الديك، والثور والحصان وغير ذلك·!
والتخوم بين العناصر والاشكال والالوان هي من ميزات فنه حتى انه في ثنائية الخطوط التي تحيط وتحيق بالاشكال، كذلك ما يخترعه من اطار ثنائي ملوّن في مساحة لوحاته الاصلية، وكأنه لا يريد ان يضايف اللوحة، شيئاً من خارجها كالاطار الذي يلصق بها، بل تحاذفه ولون في اطرافها اطراً خاصة به، لكأنه يبتكر دائماً عناصره داخل طرازه الفني الذي يمارس فيه اسفاره وهجراته كما يمارس الاقامة والوصال، والاعتناق والاعتشاق لكل ما يتخايله ويتصاوره وإسقاطه في اللوحات وتجسيده وتجاسده في مجريات عملية التطور الخلاق التي تحكم صياغاته الشكلية واللونية التي يهاجم بها اللوحة باستمرار بطغيان وعيه ولا وعيه الفني، وحدسه وذوقه الجمالي الذي يتفجر فيها كالشرر، دون ان يتفجر ويتلامح في اشكاله وألوانه التي يتفصدها من دمه وعرقه من عصبه وقلبه، من جسده وروحه، كي يأتي بها على صورته وفاعليته وإبداعه الفني في العالم!
ونقول إنه في غنى وثراء أبجديته اللونية، وفي تكوينها وتدوينها والقدرة على ائتلافها واختلافها معاً، في جدليات الحركة والسكون بين المستقيم لديه، والمثلث وبين القوس والوتر وبين السهم وخط سيره المنحني·
وكل ذلك في وتريات خطوطه التي تنتظم اعماله، واشكاله، ومساحات ألوانه، في كتابة حروفية سرية في اللوحة بعلاماتها الموسيقية الملونة وشهواتها الضارية المضطرمة، لأن نيران الفنان ولهيباتها وألسنتها تظل تتقد من دخيلة جسده وروحه الى داخل اعماله التصويرية والنحتية، التي يربطها اليه دائماً بحبل سرة لا مرئي، ومحارق اشعاعات ملوّنة سرية وعلنية من بيتا وغاما، ومما تحت الحمراء وخاصة ان اللون الاحمر لديه له اشتعالاته واشتغالاته وانفعالاته وفعله الدرامي في اعماله الفنية التي تنطوي على حساسيات مفرطة الجمال، ومشاعر عارمة تذهب في الغيمومة والانطماس والغياب، لقوة توهجها وسطوعها وحضورها، وجلائها، وسموها وتعالقاتها الجسدية والروحية، الرغبوية الارضية والسماوية معاً··!
زهير غانم < معرض الفنان حسين ماضي 1960 – 2010 < صالة عايدة شرفان (البلد) < 90 عملاً فنياً في الرسم والنحت < 5/3/2010 – 26/3/2010