وكان البطريرك جبرائيل البلوزاوي، مطران حلب آنذاك، والذي أسّس دير سيدة طاميش سنة 1673 أوّل من شَرع في بناء دير مار أشعيا الراهب. وفي سنة 1698 أرسل رهبانه من سيدة طاميش لترميم الدير وشراء الأراضي وتأسيس رهبانية جديدة. وأُسّس الدير سنة 1700، وأقيم فيه أوّل قدّاس في عيد انتقال السيّدة العذراء في 15 آب في السنة عينها، واعتُبر تاريخا رسميّا لتأسيس الرهبنة. وحتّى سنة 1740، سُمي رهبانه برهبان مار أشعيا الراهب، إلى أن أعطاهم الباباCLEMENT 12 في عيد مار أنطونيوس الكبير اسم الرهبانية الأنطونية. وخلال الحرب العالمية سنة 1916، إحتلّ العثمانيون الدير فهجره الرهبان وتضرّرت مكتبته، إذ انهم استعملوا أقدم كتبها ومخطوطاتها للتدفئة. ويُعتبر هذا الدير اليوم الدّير الأم والمؤسّس للرهبانيّة الأنطونية.
أقدم مكتبة ليتورجيّة
وفي سنة 1889، افتُتحت مدرسة إكليريكيّة في الدير بطلب من البابا لاوون الثالث عشر، وكانت هذه المدرسة بحاجة إلى مكتبة دينية، فأسّس رئيس الرهبنة حينها عمانوئيل عبيد البعبداتي مكتبة داخل الدير سنة 1904، وتبرّعت روما بعدد من الكتب. وافتُتحت المكتبة في عيد مار أشعيا الراهب سنة 1906، واستمرّ التطوّر فيها، غير أنّ الغزو العثماني عرّضها لنكبة كبيرة، إذ استعملت كتبها للتدفئة.
وفي سنة 1980 طلب رئيس الدير الأباتي الياس عطا الله من البطريرك الماروني آنذاك مار أنطونيوس بطرس خريش تصوير أرشيف بكركي كلّه، ووضع نسخة منه في المكتبة عينها، غير أنّ الحرب اللبنانية أوقفت المشروع. وكانت هذه المكتبة هي الوحيدة من نوعها في لبنان، إذ أتت توصية من البطريرك الماروني بتأسيس مكتبة دينية في دير عامر كلّه.
أهمّ كتبها وكيفيّة حمايتها
وفي سنة 2002، تضمّنت المكتبة 40000 كتاب وأكثر من 300 مخطوطة تخطّى عمرها العقود والسنين. ومن أهمّ هذه الكتب:
إنجيل مطبوع باللغة السريانية سنة 1532، وكتاب "الحاش" وهو كتاب صلاة أسبوع الآلام بالسريانية يعود إلى سنة 1600. والملفت أيضا وجود عدد كبير من الجرائد القديمة باللغة العربية كجريدة "الروضة" التي صدرت سنة 1904، وجريدة "المرصاد" سنة 1905، وجريدة "الكلمة الحرّة" سنة 1903، وجريدة "البشير" الكاثوليكية العائدة إلى سنة 1894، وأرشيف مجلّة "الشرق" الدينية التي كانت تصدر سنة 1902، ومعجم عربي – لاتيني يعود إلى سنة 1830 ويحتوي على 3000 صفحة. هذا إضافة إلى كلّ الأرشيف والأعمال البابويّة منذ سنة 1869. وكُتِبت هذه الكتب بلغات متعدّدة، كالعربية والسريانية والفرنسية واللاتينية والإيطالية والألمانية والإنكليزية والتركية.
غير أنّ أهمّها قد نُقِل إلى دير مار روكز، حيث يُحافظ عليها من خلال آلات لسحب الرطوبة، ويُمنع تعريضها لأشعّة الشمس. أمّا الكتب الجلديّة التي يُمكن أن تدخلها أنواع من الحشرات، كالعِث، فيتمّ تسميمها من خلال غاز خاص. وكانت تُكتب على ورق ناعم ورقيق وبحبر رومانيّ كان يُستعمل في المطابع الرومانيّة، والمُلفت فيها غياب علامات الوقف والترقيم وحتى تنقيط الحروف.
واعتُبِرت هذه المكتبة مرجعا تاريخيا لاهوتيا مهمّا حتى سنة 2002، إذ اتُّخذ قرار بنقل 80 في المئة من الكتب إلى دير مار روكز ومكتبة الجامعة الأنطونية في بعبدا، حيث أصبحت مكتبة عامّة.