في 18 تشرين الثاني، ينصب الانبا تواضروس الثاني بطريركاً للاقباط الارثوذكس والكرازة المرقسية في مصر خلفاً للانبا شنودة الثالث الذي توفي في آذار الماضي، زعيماً روحياً لطائفة تعد نحو عشرة في المئة من المصريين البالغ عددهم 83 مليوناً، وتتزايد مخاوفها من المستقبل وسط صعود قوي للتيار الاسلامي بعد "ثورة 25 يناير" التي أطاحت الرئيس السابق حسني مبارك. وبينما يتطلع كثير من الاقباط الى البابا الجديد ليملأ فراغ سلفه الذي رأس الكنيسة 40 سنة والذي عمقت وفاته شعوراً بعدم الامان لدى كثيرين لم يعرفوا بابا غيره في حياتهم، يأمل آخرون في أن يدشن مرحلة جديدة يكون فيها البطريرك رئيسا للكنيسة القبطية ولكن ليس بالضرورة زعيما سياسيا لها، بعدما اضطلع سلفه بدور وسيط للاقباط مع الدولة.
وبدأت مراسم اختيار البابا الجديد بقرعة أولى أجراها الانبا باخوميوس لاختيار ولد من اصل 12، يتولى سحب اسم البابا الجديد. ووقع الاختيار على الولد بيشوي مسعد جرجس الذي عصبت عيناه قبل أن يسحب واحدة من ثلاث كرات بلاستيكية شفافة تحوي كل منها اسم واحد من ثلاثة مرشحين.
ووسط تهليل الحضور وتصفيقهم، أعلن باخوميوس أن الأنبا تواضروس سمي البابا تواضروس الثاني. ويذكر ان البابا الـ45 حمل اسم الانبا تواضروس الاول. ويطلق على القرعة التي اختير بموجب البابا الجديد القرعة الهيكلية.
وبعدها، عرض باخوميوس الذي تولى منصب القائم مقام البابا منذ وفاة شنودة الثالث، الورقتين اللتين حملتا الاسمين الآخرين، وهما الانبا رافائيل والقمص رافائيل افامينا، تأكيدا للشفافية التي تضمن للكنيسة نفوذا على أتباعها عبر العالم الذين يقدرون
بالملايين.
وعقب اختياره، أبلغ البابا تواضروس التلفزيون المصري الرسمي أن "البابا انسان خادم في المجتمع المصري يحمل مسؤولية الحب والسلام لكل فرد على ارض مصر… مصر وارضها ارض مقدسة … وزيارة العائلة المقدسة باركت ارض مصر". وأضاف: "أرجو صلواتكم وأن تسندنا صلواتكم في هذه المسؤولية الكبيرة… قلبي مفتوح لكل انسان على ارض مصر".
واختير البابا الجديد وفقا للائحة 1957 التي لا تزال سارية والتي يطالب عدد كبير من الاقباط بتعديلها كي يجري اختيار البابا بالانتخاب ومن دون قرعة.
وكان المرشحون الثلاثة اختيروا الأسبوع الماضي في اقتراع للمجمع الانتخابي في الكنيسة التي تمثل غالبية مسيحيي مصر.
ويضم المجمع الانتخابي أكثر من 2400 من رجال الدين والشخصيات العامة، إلى خمسة يمثلون الكنيسة الإثيوبية التي تربطها صلات تاريخية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية.
ويأمل أقباط كثر في أن يتمكن البابا الجديد الذي سينصب في 18 تشرين الثاني الجاري من قيادتهم بأمان، وسط قلاقل انتفاضات "الربيع العربي".ويشعر هؤلاء بالقلق بعد الصعود السياسي للإسلاميين وانتخاب محمد مرسي الذي ينتمي الى جماعة "الإخوان المسلمين" رئيسا لمصر.
وقال ميخائيل جورج قبل القداس: "المسيحيون يخافون حكم الإسلاميين ، خصوصاً أن وجودهم (في السلطة) يشجع المتشددين على العمل بحرية".
ولفت الناشط القبطي في المهجر مايكل منير الى أن "أمام البابا الجديد ملفات كثيرة تتطلب سرعة التعامل معها"، موضحا أن "ابرز القضايا هي الضغط لاصدار قانون موحد لبناء دور العبادة، والحد من خطف القاصرات المسيحيات، وتوفير تمثيل سياسي مناسب للاقباط، وضمان اصدار دستور لجميع المصريين".
وقال الباحث السياسي عماد جاد: "لدينا الان رئيس جديد وبابا جديد… ونريد من الرئيس ان يكون متعاونا مع الكنيسة".
واتخذت وزارة الداخلية المصرية اجراءات مشددة لتأمين الكاتدرائية وشوهدت اعداد كبيرة من سيارات الامن المركزي منتشرة حولها.
كذلك، أصدر حزب الحرية والعدالة المنبثق من جماعة "الاخوان المسلمين" والذي كان مرسي رئيسه قبل انتخابه رئيسا للدولة، بياناً هنأ فيه "نيافة الانبا تواضروس".
وقال: "اننا متفائلون بالتعاون المثمر معه كزعيم روحي للاخوة الاقباط لنشر الاخلاق الحميدة وللتأكيد على قيم الحرية والعدل والمساواة".
وهنأ المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمين" محمد بديع البابا الجديد. وقال في رسالة وجهها اليه عبر الصفحة الرسمية لـ"الإخوان المسلمين: "أتقدم لكم بأسمى التهاني القلبية على انتخابكم الكريم، وأتمنى لكم التوفيق والسداد لما فيه صالح مصر الحبيبة وشعبها الكريم… وفقنا الله جميعاً لما يُحب ويرضى لخدمة وطننا وأهلنا … مع خالص تقديري".
وتلقى البابا الجديد أيضا تهاني رجال دين مسلمين، بينهم شيخ الأزهر أحمد الطيب وسياسيون مسلمون بارزون، منهم المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى.