افتتح رئيس اساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر "اليوبيل المئوي الرابع" لتشييد كنيسة السيدة في مجدل المعوش، التي شيدها البطريرك يوحنا مخلوف سنة 1609، وذلك في الذبيحة الالهية التي أقيمت في كنيسة السيدة التي أعيد بناؤها عام 2007،
وعاونه فيها النائب العام لأبرشية بيروت المونسنيور جوزف مرهج، رئيس دير مار مارون في المعوش الأب بولس خوند، الاب يوحنا يشوع الخوري والخوري شربل مسعد، بمشاركة المغترب اللبناني ابن بلدة المعوش روجيه ياغي الذي أعاد بناء الكنيسة، وفاعليات البلدة ورهبان وراهبات.
المطران مطر
بعد الانجيل المقدس، القى المطران مطر عظة قال فيها: "يسعدنا في هذا اليوم المبارك، الذي نذكر فيه مولد يوحنا المعمدان، في إطار الاستعداد لعيد الميلاد المجيد، أن نأتي إليكم، وأن نقيم الذبيحة الإلهية في كنيسة السيدة العذراء في مجدل المعوش؛ وقد أردتم إحياء اليوبيل المئوي الرابع لتشييدها وهي الكنيسة التي دشناها بقداس احتفالي بعد أن أعاد بناءها ولدنا العزيز المغترب الكبير ابن هذه البلدة المشهورة في الأبرشية ولبنان، السيد روجيه ياغي، حفظه الله".
واعتبر "ان هذه الكنيسة لها بين الكنائس في البلدة وفي المنطقة خصوصيتها وتاريخها المجيد، روحيا ووطنيا. رفعت بإذنه تعالى في العام 1609، أي لأربع مئة سنة على التمام، على يد مثلث الرحمة البطريرك القديس يوحنا مخلوف الإهدني الذي ما إن اعتلى سدة البطريركية في قنوبين من شمالي لبنان حتى واجه صعوبات واضطهادات من قبل المقدمين السياسيين في منطقته، فآثر الانتقال إلى حمى القائد المعني الكبير فخر الدين الثاني أمير هذا الجبل الأشم، لينعم في جواره بالحرية ويتمكن من الاطلاع برسالته المقدسة. وهكذا انتقلت البطريركية المارونية إلى الشوف الأبي ردحا من الزمن، عاد وتجدد للأسباب عينها مع البطريرك العظيم إسطفان الدويهي الإهدني أيضا، في العام 1683".
ولفت الى "ان مجدل المعوش كانت المقر الآمن الذي وفد إليه أيضا هذا البطريرك مع بعض معاونيه ليزاول انطلاقا منه مهام الرعاية لشعبه والعمل في سبيل وطن سكب من أجله على غرار أسلافه الصالحين دم القلب وعرق الجبين. وكان من المنتظر بحسب التقاليد المارونية أن يبني البطريرك الأول حين وصوله، كنيسة يصلي فيها وأن تكون على اسم العذراء مريم بالذات. فجميع المقرات البطريركية من البدايات حتى يومنا هذا، في بكركي وفي الديمان، كانت تشاد فيها الكنائس على اسم العذراء مريم دون سواها. فهي أم الكنيسة عامة وأم الكنيسة المارونية خاصة وسيدة لبنان بلد المحبة والألفة والعيش الواحد كما تريد الأم لأولادها أن يعيشوا، أي أبناء عائلة يجمعها الصفاء والوفاء وروح البنوة للآب الواحد الذي هو في السماء".
وقال: "ان انتقال هذا البطريرك القديس والبطريرك العالم الذي جاء من بعده إلى الشوف، ما كان متصورا لولا وجود أمير درزي صاحب رؤية عظيمة لوطنه ومشروع إنساني كبير حلم به لشعبه كما يحلم الكبار وحققه كما يحققه الأبطال والملهمون. كان شعبنا اللبناني ومثله شعوب المنطقة بأسرها يرزحون منذ مئات السنين تحت حكم الأمبراطوريات المترامية الأطراف دون أن يعطى لها أن تقرر أي أمر يخص مصيرها وكرامتها في الحياة. فبرز هذا الأمير وكأن القدر ضرب له موعدا مع نهضة الشعوب إلى حقوقها وإلى الحرية التي لا قيمة لأي شعب من دونها ولا وجود. فكان له بفضل هذا التسامي في الفكر والعمل، أن يتخطى الحواجز الطائفية والمناطقية على أنواعها ليلهم بني قومه سلوك طريق الوحدة في صفوفهم والمطالبة أمام القاصي والداني بحقوقهم الأساسية في العيش الكريم والاستعداد لبذل الغالي والنفيس وصولا إلى هذا الهدف الوطني المنشود".
واردف: "ونحن إذ نقيم اليوم احتفالا بالمئوية الرابعة لتشييد هذه الكنيسة في قلب شوفنا العزيز، لا يسعنا إلا أن نقارب بين اليوم والأمس، فندرك إدراكا سويا ومعللا بأن جميع الذين يعملون لذواتهم وأنانياتهم إنما هم وأعمالهم إلى زوال، فيخاصمون ويتخاصمون وكأن الحياة خصام مستمر لا علاقة له بالتطور وحركة الحياة، فيما الكبار الكبار من أهل الوطنية والإبداع، يعملون لقيام أوطانهم ولأمن شعوبهم وكرامتها وليكون لبلدانهم مكانة تحت الشمس يسهمون انطلاقا منها في إغناء الحياة البشرية الجامعة. أما الأمثولة الثانية التي نستخلصها من انتقال البطريركين الإهدنيين إلى الشوف ومن بنائهما الكنائس وتشجيعهما لقيام الأديار والصوامع، فهي التي تحفزنا إلى التشبث بالشراكة الحقيقية بين أهل الجبل، تلك التي أسست كيان لبنان الحديث وصقلت روحه وقادته في دروب العزة والحضارة ورسالة النهضة وحوار الديانات والثقافات".
اضاف: "إذا ما استعرضنا تاريخ هذا المعبد بالذات، فإننا لنجد أنه تعرض مع الأيام لبعض زلازل التاريخ والنكسات. إلا أنه كان في كل مرة يعود إلى مكانه وإلى مكانته في الربوع والقلوب. فبعد أن وضع حجره الأول البطريرك يوحنا مخلوف في العام 1609، عاد وجدده البطريرك الدويهي في العام 1683. وقد بنى في قربه كنيسة جديدة ما زال بعضها باقيا في داخل كنيسة مار جرجس القديمة في وسط البلدة. غير أن هذين البطريركين وعلى الرغم من بقائهما المؤقت في المعوش وعودة كل منهما إلى قنوبين، بعد اعتذار أهل السياسة منهما في الشمال، قد شجعا حقا على بقاء أبنائهم الموارنة خصوصا والمسيحيين عامة في منطقة هذا الجبل وعلى أن يثبت وجودهم فيه على أسس من المحبة والتعاون والاحترام المتبادل مع أخوانهم الدروز الأعزاء، فراحوا يشيدون في كل قرية كنيسة بتشجيع من الجميع وتعاون كريم. وأقاموا على كل مرتفع ديرا أو صومعة وأسهموا إسهاما طيبا في نشر العلم وفتح المدارس بدعم من أمراء الجبل ومشايخه الفاضلين".
وتابع: "عندما هدمت كنيسة السيدة القديمة في العام 1922، أبى أهل المعوش إلا أن يعيدوا بناءها من جديد، ولا سيما منهم المعروف بطرس بو مخايل من بيت خليل الكرام، وفاء منه ومنهم لتراث الآباء والأجداد ويقينا من أن هذا الجبل سيبقى وفيا لذاته ولكل أهله على الدوام. وفي الأحداث الأخيرة التي مرت بالجبل، هدمت الكنيسة من جديد وكانت العاصفة آتية من بعيد ومدبرة على أيدي غريبة عبثت بمصير جميع اللبنانيين. لكنها قامت من جديد بنعمة الله وحمده، وقد أعيد بناؤها على أجمل مما كانت عليه بفضل الله، وسخاء القلب واليد عند ابن البلدة البار السيد روجيه ياغي الذي رأى ورأى الكل معه أن عودة هذه الكنيسة إلى تراث المعوش هي إيذان بعودة الجبل إلى حقيقته وإلى أصالته المعروفة وإلى الشراكة المستحبة والمرغوبة بين أهله. ومن كنيسة السيدة هنا إلى كنيسة مار جرجس الجديدة التي يكمل بناءها أيضا ومن تعبه الخاص عزيزنا روجيه عينه، وإلى دير مار مارون ومدرسته الشهيرة في تاريخ المنطقة خط متواصل من الإيمان ومن المحبة التي لن يخلو منها الجبل ولا أبناؤه الأشاوس الكرام".
واكد "ان إطلالة الزعيم الكبير والصديق العزيز معالي الأستاذ وليد بك جنبلاط إلى دير مار مارون منذ أسبوع بدعوة من رئيسه الفاضل الأب بولس الخوند وجمهوره الأحباء، هي علامة محبة ورؤيا تاريخية من سيد المختارة حيال لبنان الشراكة الحلوة والحضارة القيمة وشهامة الرجال وروح فخر الدين وخطه في تثبيت لبنان والحفاظ على تراثه المميز بين الشعوب".
واشار الى "ان تاريخ المعوش لا يختصر ببيوت العبادة وحدها، وهي تقدس أرضها وترابها. بل هو أيضا بالرجال الذين أنبتتهم وقدمتهم خلصا أوفياء للكنيسة والوطن وللأدب والشعر والسياسة والفنون، على أجيال طويلة متعاقبة. وكمطران لهذه الأبرشية البيروتية العزيزة التي ترسم تخومها الجنوبية على مسار نبع الصفا وصولا إلى البحر، لا يسعني إلا أن أذكر من بين إكليروس المعوش أقله من عرفتهم شخصيا في الخدمة، خاصا منهم في هذا المقام المبارك المرحوم الخوري يوسف ياغي الذي رقدت في ظله عظامه على رجاء القيامة، والمونسنيور أمين مسلم والأب الراحل بولس مرهج والأب مارون صفير والأب داوود رعيدي والأم ماري دميان وعزيزنا المونسنيور جوزف مرهج نائبنا العام في الأبرشية، وهو الأخ الذي كان ويبقى لي رفيق الدرب والساعد الأيمن في قيادة سفينة الأبرشية إلى شاطئ الأمان. واعذروني إن لم أذكر الآخرين الذين ما عرفتهم شخصيا، ولكنني سأحملهم اليوم مع قربانتي على هذا المذبح المقدس طالبا مكافأتهم من رب المكافآت وحده".
وشدد على "ان اليوبيل الذي تفتتحونه اليوم وتختتمونه في عيد السيدة العذراء في 15 آب المقبل، فإني أدعو إلى الله ليكون لكم فرصة لتجديد الإيمان بالله والتوكل على العذراء مريم، التي تعطف في هذه المنطقة على كل أولادها من دروز ومسيحيين ومسلمين، والتمسك بلبنان المحبة والانفتاح بروح من التفاهم يبرزه قيمة مضافة في هذا الشرق العربي، لا أحجية يقض مصيرها المضاجع ويحير القلوب".
وختم: "وإذ أهنئ جميع الذين سيعملون من أجل إنجاح هذا اليوبيل من لجنة وقف وأخويات وجمعيات خيرية ومنظمات شبابية ورسميين في البلدية والبلدة والجوار، أسأل الله لكم ولهم كل التوفيق وأن تبقوا على الدوام أخوة متضامنين وأبناء لمريم أحباء، وأن يشملكم الرب على الدوام بفيض سخي من نعمه وبركاته".