سافر الإماراتي عبدالله كمال إلى اليابان في ثلاثينيات القرن الماضي وكان أول مواطن إماراتي يتقن اللغة اليابانية ولهجاتها وأول إماراتي يعيش في اليابان لمدة 10 سنوات تقريبًا في فترة الإمبراطورية اليابانية.
ولكنه اضطر إلى الهروب من اليابان عندما وقعت الحرب العالمية الثانية وبعد أن بدأت اليابان في إبعاد الجنسيات المحسوبة على معسكر الحلفاء حيث كانت الإمارات في ذلك الوقت محسوبة على بريطانيا.
وتم تجهيز طائرة حربية يابانية لنقل كل الأجانب المقيمين في اليابان إلى خارجها. وبالفعل حطت الطائرة وأخذت مجموعة من الأجانب المقيمين في اليابان ولم يكن عبدالله كمال من بينهم على أن تعود الطائرة مره ثانية لنقل بقية الأجانب ولكن يشاء القدر أن تنفجر الطائرة الحربية وهي تقل المجموعة الأولى من الأجانب وبهذا لم يجد كمال أي سبيل عن طريق الجو للخروج من اليابان. وفي المقابل اعتقدت عائلة كمال أنه لقي حتفه في انفجار الطائرة الحربية خصوصًا بعد انقطاع أخباره، فأقاموا العزاء واعتبروه في عداد الموتى ولكنه عاد إليهم بعد مرور شهر من تلقي عزائه في مفاجئة كانت بمثابة المدهشة والمخيفة في الوقت نفسه لأنهم اعتقدوه شبحًا وليس بعبدالله كمال الحقيقي.
واستطاع كمال الخروج من اليابان عن طريق البحر حيث استقل هو ومجموعة أخرى من الأجانب قاربًا ووصلوا إلى سيبيريا ومن سيبيريا اتجهوا إلى إيران ومنها إلى مدينة لنجة جنوب فارس ثم أخذوا سفينة ووصلوا إلى دبي في العام 1942 في رحلة استغرقت قرابة الشهر.
وعند وصوله إلى دبي ذهب إلى منزله وعندما دخل على أهله فوجئوا بأنه ما زال على قيد الحياة واندهشوا من ذلك بعد أن اعتقدوا أنه شبح كمال.
وعندما عاد كمال إلى دبي هاربًا من الحرب التي بدأت تندلع في اليابان كان محطمًا جراء خسارته التجارية نتيجة إجلائه من الأراضي اليابانية حيث بدأ حياته من نقطة الصفر من جديد في دبي وعمل في البنك البريطاني للشرق الأوسط وكانت لغته اليابانية ممتازة لدرجه أنه تعلم لهجات يابانية متعدّدة منها لهجة أهل أوساكا. وتوفي في العام 1981 عن عمر يناهز الثمانين عامًا.
وصدر أخيرًأ ألبوم صور عن دبي يحمل عنوان "دبي في عام 1962" والذي أصدرته شركة موتيفيت للنشر لصحافي ياباني يدعى كواشيما. وكان الصحافي قد أفرد جزءًا خاصًّا في ألبومه عن الإماراتي عبدالله كمال.
وتعود قصة كواشيما وعلاقته بكمال إلى العام 1962 عندما جاء هذا الصحافي إلى دبي في العام 1962 لمدة خمس أيام فقط قام فيها بتغطية وتصوير معظم الأماكن المهمة فيها بفضل عبدالله كمال حيث كان كواشيما ورفيقه كاتو لا يتحدثان العربية مطلقًا، ولم يكونا على دراية بأي معلومات عن الإمارات في ذلك الوقت ولم تكن اللغة الإنكليزية منتشرة في دبي آنذاك.
ولكن لحسن قدرهم أنهم التقوا عبدالله كمال لأنه كان يتكلم اليابانية ولهجاتها المختلفة بطلاقة، ويعد كمال أول إماراتي يتحدث اليابانية ومن ثم قام بمساعدة كواشيما وزميله على مدار الخمس أيام التي قضوها في دبي فإصطحبهم في جولات في كل الأماكن داخل الإمارة، وكذلك إلى المواقع المهمة التي يصعب عليهم دخولها بمفردهم. حيث التقوا بكثير من الناس في ذلك الوقت ومنهم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي وقام كواشيما بعمل تقرير مصور عن دبي وأدرج هذا التقرير في ألبومه، كما قام بعمل فصل خاص في ألبومه عن كمال مع صور متعددة لهما معًا. وذلك تقديرًا لما قدمه لهم من خدمات جليلة.
ووصف كواشيما كمال بأنه رجل راقٍ وعالي المستوى ولقبه kamal- san أي تعني (السيد كمال) وهي كلمة تطلق على الأشخاص الرفيعي المستوى في اليابان.
وروى كواشيما في ألبومه أن عبدالله كمال وصل إلى اليابان في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي حيث قامت شركة خنجي وأولاده العريقة في تجارة الأقمشة بإرساله هناك ليكون مسؤولاً على العمليات التجارية التي تجرى بين محلات الشركة في دبي واليابان حيث عمل مديرًا لفرع الشركة في منطقه كوبيه التي عاش فيها والتي تعد مدينه تجارية وكذلك أقدم ميناء في شرق أوساكا اليابانية. وقد عاش كمال سعيدًا في كوبيه قرابة العشر سنوات إبان فترة الإمبراطورية اليابانية ولكنه هرب منها بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وبعد هروبه من اليابان بنحو عشرين عامًا التقى الصحافيان اليابانيان وكان يخرج معهما يوميًّا بعد انتهاء عمله في البنك البريطاني في دبي ليطلعهما على أفضل الأماكن ليقوم كواشيما بتصويرها. والجدير بالذكر أنه إن لم يكن كمال موجودًا لما استطاع كواشيما وزميله الوصول إلى مكتب حاكم دبي في ذلك الوقت الشيخ الراحل راشد بن سعيد آل مكتوم والالتقاء به.
وفوجئ اليابانيان عندما استضافهما كمال في منزله بوجود الرسوم اليابانية (الدميات) على طاولات منزله وتلك الدميات الاوساكية جلبها كمال من مدينه كوبيه اليابانية لدي إقامته هناك، كما انبهرا بأسلوب الضيافة العربية وكان كمال يؤكد لهما دائمًا بأن اليابان هي موطنه الثاني.
وأنهى اليابانيان جولتهما في دبي مغادرين إلى اليابان وبعد ذلك انقطع الاتصال بينهما وبين كمال.
ولكن بعد مرور 46 عامًا على آخر لقاء جمعهما بكمال في دبي في العام 1962 رجع الصحافيان اليابانيان إلى دبي مرة ثانية في العام 2008 خصيصًا لرؤية عبدالله كمال ولكي يقدما له الشكر على كل ما قام به معهما من مساعدات في زيارتهما الأولى العام 1962 ولكنهما لم يستطيعا إيجاده بعد أن سعوا للبحث عنه في سوق دبي القديمة وفي كل مكان وكان من المستحيل العثور عليه بعد 46 عامًا من انقطاع التواصل بينهم وقام الشيخ أحمد بن سعيد رئيس طيران الإمارات باستضافتهما في العام 2008. ووعدهما بأن يتم طباعة ألبومهما في دبي وعادا إلى دبي للمرة الثالثة في العام 2009 لعرض ألبوم "دبي في 1962".
وفى هذه المرة التقيا بإبراهيم الجناحي الذي يعمل حاليا كمدير تنفيذي للشؤون التجارية في "جافزا" في المنطقة الحرة بجبل على في دبي وساعدهم الجناحي بأن يلتقوا بحفيد كمال الذي ذكر لهم بأن كمال قد توفي في العام 1981 كما توفي اثنان من أبنائه.
ولد كواشيما في طوكيو العام 1930 ودرس الاقتصاد وعمل كمحاسب في مجلة أميركية في بداية حياته ثم عمل كمصور صحافي محترف في مجلة يابانية العام 1952 وكان نطاق اهتمامه منطقة الشرق الأوسط وجنوب أميركا. وعمل كذلك كاتبًا صحافيًّا وكتب مقالات متعدّدة عن المهاجرين اليابانيين في أميركا، وفاز بجائزة في الصحافة العام 1958 وخلال 30 عامًا من عمله انغمس في قسم الرياضة في جريدة فانكي وشغل منصب رئيس قسم التصوير في الجريدة ثم أصبح رئيس جامعة الصحافة في اليابان واليوم هو عضو رابطة المصورين اليابانيين.
إيلاف