لم تسلم بحرون المحسوبة على نظام زين العابدين بن علي، منذ اليوم الأوّل من الانتقادات، لأنّها عيّنت من دون استشارة النقابات واعتبرت مقرّبة من حركة «النهضة» لذلك عانت من ضغوط النقابات. وعندما حافظت على استقلالية الخط التحريري، بدأت ضغوط السلطة وخصوصاً رئاسة الجمهورية التي اتهمت مؤسسة التلفزة بعدم الحياد، فضلاً عن الحكومة و«النهضة» و«حزب المؤتمر من أجل الجمهورية». وقد وصلت ضغوط بعض الوزراء إلى حد رفض ظهور سياسيين في بعض البرامج مثلما حدث أخيراً عندما رفض وزير الشؤون الدينية نورالدين الخادمي حضور برنامج عن موسم الحج.
وبعد أشهر على هذه الحال، اختارت إيمان بحرون الإنسحاب بعد اتهامها بـ«الفساد المالي» على خلفية تدخلها في إنتاجات رمضان. ويبدو أنّها وجدت نفسها في بحر متلاطم الأمواج في ظل الأزمة التي تعيشها التي تعيشها البلاد منذ اغتيال الزعيم الناصري محمد البراهمي في ٢٥ تموز (يوليو) الماضي. أزمة حوّلت التلفزة الوطنية بقناتيها إلى محور للتجاذب السياسي. في الوقت الذي يصر فيه عمّال المؤسسة الحكومية التونسية على التمسك باستقلالية الخط التحريري مدعومين بنقاباتهم التي تجمع آلاف الصحافيين والتقنيين، تسعى الترويكا الحاكمة إلى إعادة الإعلام إلى بيت الطاعة. وكان الإعلام الرسمي الضحية الأولى لهذه الضغوط. منذ الأيّام الأولى لتولي الحكومة مهامها، نظّم أنصار الحزب الحاكم اعتصاماً على مدى شهرين أمام مؤسسة التلفزة تحت شعاري «التطهير، وتصفية إعلام العار»، الأمر الذي شكّل فضيحة سياسية وأخلاقية انتهت بتعنيف مجموعة من الصحافيين جسدياً ولفظياً.
وأثارت استقالة إيمان بحرون خلافات جديدة حول إسم خلفها، فيما سارعت الحكومة إلى تقديم مرشح لـ «الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري» الجهة المعنية باختيار المدير، لتجنّب غضب النقابات. علماً أنّه تم تجاوز الهيئة أخيراً في تعيين مدراء الإذاعات، ما اضطر أحد المدراء الجدد إلى الانسحاب بعدما رفضته أسرة «إذاعة تطاوين».
وفي هذا السياق، قال عضو «الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري»، المعروفة بالـ«هيكا»، هشام السنوسي لـ«الأخبار» إنّ الهيئة لم تصلها أي استقالة من بحرون، لافتاً إلى أنّها الجهة المعنية بهذه الأمور وليس الحكومة. وأكد السنوسي أنّ الهيئة «مختلفة مع تصور الحكومة للإعلام الرسمي وتعتبر أنّ التعيينات من اختصاصها، استناداً إلى قانونها الأساسي»، لافتاً إلى أنّ الحكومة ما زالت تتجاهل الهئية. وشدد السنوسي أيضاً على أنّه لا خلاف شخصياً لـ «الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري» مع أي من مدراء الإعلام الرسمي، «لكنّها تعارض الميول نحو جعل الإعلام الرسمي، إعلاماً حكومياً»، مؤكداً حق كل الكفاءات الإعلامية في الترشح لرئاسة «مؤسسة التلفزة الوطنية»، على أن يقدّم كل مترشح ملّفه، ليتم الإختيار «وفق مقاييس الكفاءة والحياد السياسي».
إنّه مخاض الإعلام التونسي الذي يبحث عن سبل الدفاع عن استقلاليته أمام سلطة سياسية ومعارضة كلاهما يعمل على إعادته إلى بيت الطاعة!
نور الدين بالطيب / الأخبار