تجاربه ومحنه ومشاعره وأفكاره وأحاسيسه. بجانب صلاته المستمرة ، فالروح القدس هو معطي هذه النعمة. هي ليست طريقة نتعلمها لكنها عطية ونعمة.
تذهب احد المكرسات إلى المعلم عرفات وتقول له: ابتي صمت لمدة ٢٠٠ أسبوع وكنت اكل فقط كل سته أيام وحفظت الكتاب المقدس بعهديه، فماذا ينقصني ان افعل؟
يرد المعلم: أي ثمار حصلتي عليها حتى الان؟ هل اصبح مدح الناس لك مثل ذمهم فيكي؟
أجابت: لا
هل اصبح الربح مثل الخسارة بالنسبة لك؟
أجابت : لا
هل اصبح القريب لك مثل الغريب؟
أجابت : لا
فقال لها إذا لم تفعلي شيء، اذهبي وابدئي من جديد. ( أقوال ٥١٨: ٢٤٨).
هذا هو التمييز، المعلم لا ينجرف وراء عظمة الأفعال الزهدية التي قامت بها هذه الاخت العزيزة. ولكنه يحاول ان يميز، هل ما عملته بالفعل انتج ثمار روحية، وإلا كل شيء لأجل إرضاء الذات. إرضاء الغرور الروحي. لكن ما هو المقياس؟ هذا هو التمييز. الثمار ومعرفة نوع الثمرة لكل شخص.
يذهب راهب إلى المعلم ويقول له: أني اكره الناس، لا أتحمل احد. أني غضوب، اقل شيء من الشخص المقابل لي، يجعلني اثور واغضب بطريقة رهيبة.
فيرد المعلم: المشكلة ليست انك تكره الناس، ولكنك تعتمد اعتماد كلي عليهم. فيكفي ان احد يعارضك أو يقوم بفعل ولو بسيط ضدك، انت تثور، لأنك تتوقع منه شيء آخر، وتعتمد كليا على هذا الشيء.
وهنا يفهم الراهب ان سبب غضبه ، ليس كما كان يعتقد ولكن هو عدم حريته مع الآخرين. فالآخر يمثل له أهمية بل وبالأحرى يتحلى بسلطة فائقة عليه.
وهنا يكمل المعلم: تحرر من سلطة الآخرين عليك ، ارضي الرب وفقط الرب، وسوف تتحرر من الغضب. ( ايفاجريوس، خطابات ٤٣: ٥٠).
في نفس السياق يذهب راهب إلى المعلم مكاريوس ويقول له: ابتي، قل لي كلمة، أريد ان اخلص ، انا غضوب.
فيقول له مكاريوس: اذهب إلى المدافن وسب واشتم الموتي، اخرج كل غضبك عليهم.
فذهب وعاد فيقول له مكاريوس: ذهبت؟
نعم.
وماذا قالوا لك؟ ماذا كان رد فعل الموتي على سبك لهم؟
فيرد الراهب: لا شئ. صمت .
فيقول له مكاريوس؛ اذهب إلى المدافن من جديد وامدح الموتي واشكر حبهم وخدمتهم لنا طوال حياتهم.
فذهب وعاد
فيقول له مكاريوس: ماذا كان رد فعلهم هذه المرة؟
فأجاب الراهب : لا شئ. صمت.
فأجابه مكاريوس: إذا أردت ان تخلص من الغضب، مت عن كلام العالم والناس، كن لهم مثل الموتي، لا تنتظر من البشر شيء. هكذا تخلص. فليكن لك مدح الناس فيك مثل ذمهم عليك ، وفي الاثنين اصمت. ( أقو ٢٣؛ ٢٠).
هذه هي الحرية المسيحية، ان يصبح قلبنا محرر من أفكار الآخرين علينا، ويصبح فكرنا مطهر من أحكام من حولنا علينا، وتصبح مشيئتنا هي إرضاء الرب.
هذا هو التمييز ، وما اجمله، فلنرغبه، ولنطلبه، والرب ليس ببخيل، إذا كان قد اعطانا كل ما لديه، هو ذاته، الابن. اسيبخل علينا بنعمة التمييز!
للمرة القادمة.
زينيت