وتيرة التوتر الطائفي في مصر خلال العام الماضي جعلته مرشحاً، وبقوة، للتصعيد في العام 2011. لكن أحداً لم يتوقع أن «ينفجر» الوضع بالشكل الذي شهدته الإسكندرية ليلة رأس السنة.
بعد خمسة ايام على حادث تفجير «كنيسة القديسين»، لا تزال مصر في حال صدمة لم تتجاوزها بعد، وانعكس ذلك على ردود الأفعال المختلفة، غير المنظمة، الغاضبة، والمشحونة طائفيا وسياسياً وامنياً. واختلطت البيانات الرسمية التي أدانت الحادث «الإرهابي»، بأصوات التظاهرات التي بدأت يوم التفجير في الحي الشعبي، شبرا، شارك فيها أطيـاف القوى السياسية، ومن بينها جماعة «الإخوان المسلمين».
وما لبثت الاحتجاجات أن عمت القاهرة والعديد من المحافظات يوم الأحد الماضي، وإن خفت حدتها يوم الاثنين، بوتيرة لم يتسن لأحد بعد إحصاء عددها من كثرتها.
وبالرغم من أن غالبية التظاهرات
قد انطلقت من باب التضامن وإدانة المجزرة، سواء في الجامعات أو في الشارع، فقد فاض منها احتجاجات قبطية وجهت ضد الجميع، في انعكاس لتراكم الغضب القبطي، وهو سابق لحادث «كنيسة القديسين»، وتمثل باحتجاجات عديدة العام الماضي.
وقد بدا الإعلام الرسمي حريصاً على التهدئة بامتناعه عن بث أخبار الاعتداء على شيخ الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف، عندما قاموا بزيارة الكاتدرائية المرقصية في حي العباسية يوم الأحد الماضي، من قبل متظاهرين أقباط كانوا خارج الكنيسة وكذلك بالتعتيم على تظاهرات لأقباط في حي منشية ناصر الفقير، والذي كان أصحاب زرائب الخنازير فيه قد تعرضوا لنكسة عندما قامت السلطات في العام 2009 بقتل جميع الخنازير خوفاً من تفشي مرض أنفلوانزا الخنازير، وهو ما وجد بدوره تفسيراً طائفياً آنذاك. وخرج هؤلاء في تظاهرة تردد أنهم تعرضوا فيها لمنقبات.
وشهد الانتشار الأمني كثافة، قد تكون غير مسبوقة، حيث قام ما يزيد عن 30 ألف جندي من الأمن المركزي ومئات العربات المصفحة بمواكبة التظاهرات أو منعها، حيث قمعت عشرات الاحتجاجات في القاهرة والإسكندرية.
وألقي القبض، أمس الأول، على ثمانية ناشطين مسلمين شاركوا في تظاهرة في حي شبرا في القاهرة، وتمت إحالتهم للمحاكمة العاجلة بتهمة التجمهر وازدراء القانون والدستور وتدمير الممتلكات العامة، بالرغم من أن الشعار الرئيسي لتلك التظاهرات كان «الهلال مع الصليب» و«لا للإرهاب»، إلا أن المشاركين فيها، وخاصة الناشطين السياسيين، هتفوا ضد نظام الرئيس حسني مبارك ووزير الداخلية حبيب العادلي وطالبوا بإقالته.
وحلقت ظهر أمس طوافات فوق أحياء المهندسين ووسط البلد والحلمية ومصر الجديدة على ارتفاع منخفض أثار القلق، وتساؤلات حول سببها، وإن كانت قد فسرت بأنها لتأمين سفر مبارك إلى شرم الشيخ لاستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم.
ووسط هذه الأجواء رفضت «كنيسة القديسين» السماح لشركة «المقاولين العرب»، التي كّلفها رئيس الوزراء أحمد نظيف بإصلاح الكنيسة من أثار التفجير، أن تبدأ بإزالة آثار الدماء أو الشروع في أعمال ترميم، وذلك حتى يعود للأقباط «حقهم». ولم تفسر الكنيسة ما إذا كانت تقصد توقيف الجناة أم اتخاذ إجراءات خاصة بوضع الأقباط الذين يشكون من التمييز الديني.
وبرغم التعتيم الإعلامي على ما قد يثير الاحتقان الطائفي، فإن الأجواء ما زالت متوترة والانفعالات واضحة ما بين موجات مختلفة من ردود الأفعال المتباينة، منها ما هو متضامن مع الأقباط، ومنها ما يدعو إلى إظهار «روح الوحدة الوطنية» مثل تشكيل «دروع بشرية» من المسلمين حول الكنائس في عيد الميلاد، أو الانضمام لقداس ليلة العيد، مساء اليوم، بأعداد كبيرة، ومنها من يتباكى على مصر «التي كانت»، و«كيف أصبحت».
إلا انه في مقابل هذا المزاج، تصاعد مزاج محتقن طائفياً، منه ما هو قبطي استفزه التفجير الذي اعتبر عدواناً إسلامياً على أقلية مسيحية، وإفراز «طبيعي» للتطرف الإسلامي السائد في مصر طوال العقدين الماضيين، وغضب إسلامي مقابل، اعتبر أن الأقباط يتدللون ويطالبون بحقوق للكنيسة، لا يحظى المسجد بمثيلها، كونه مراقباً امنياً ولا يسمح بفتحه سوى في أوقات الصلاة، وكذلك لا يسمح باعتلاء منابره سوى من يوافق الأمن عليه.
وفي ظل غياب أي قياس للرأي العام المصري وسط هذه الأجواء، لم يعد واضحاً عن أي مصر، بالضبط، يتحدث المصريون. لكن الأجواء على مواقع «فيسبوك» و«تويتر»، وبالرغم من عدم تمثيلها للرأي العام المصري بسبب انحصار عدد مستخدميها بين القلة القادرة اقتصادياً، قد عكست حالاً من الشحن الطائفي الحاد، وتعاليا لأصوات ليبرالية اعتبرت أن التيار الإسلامي بكافة طوائفه هو المتهم الأول، وألصقت به تهمة التحريض على الكنيسة. وأعاد هؤلاء الجدل، مجدداً، حول تصريحات أدلى بها المفكر الإسلامي محمد سليم العوا لقناة «الجزيرة»، خلال الصيف الماضي، حول دور الكنيسة تحت قيادة البابا شنودة.
وكان العوا يرد على تصريحات لرجل الكنيسة الثاني الأنبا بيشوى الذي اعتبر المسلمين ضيوفا في مصر «القبطية في الأصل»، وأن في القرآن آيات محرفة، وذلك في سجال حاد أعقب قيام قوات الأمن بتسليم زوجة كاهن تركت منزلها اثر خلافات عائلية، وأثيرت بسببها تظاهرات قبطية اتهمت المسلمين بخطفها وتحويلها للإسلام.
وبرغم نفي الكنيسة هذا الأمر، خاصة بعدما أعادها الأمن، اختفت السيدة كاميليا شحاتة داخل الكنيسة، ما أثار تظاهرات مسلمة مضادة طالبت بالإفراج عن «الأخت المسلمة» التي «تحتجزها» الكنيسة. وتحول الخلاف بين القسيس وزوجته إلى قضية طائفية على خلفية الاحتقان القبطي – المسلم المتراكم منذ سنوات.
ولم يكن مستغرباً أن تستعيد مصر هذه الأجواء مرة أخرى بعد حادث الإسكندرية، ليفتح هذا الملف الشائك والحساس. فمن ناحية بدا أن المسلمين، وبحكم أنهم غالبية، متهمون، ليس فقط من قبل أصوات قبطية، بل أيضا من قبل مثقفين «تقدميين» أو ناشطين من اليسار، بشكل اوحى بأجواء 11 أيلول مصري، يُحمل فيه كل ما هو مسلم، مسؤولية ما حدث ويستبعد بسخرية نظرية «العامل الخارجي» الذي يسعى إلى «ضرب» مصر، وهي نظرية رددها المسؤولون، بحكم العادة، ولكن لا يزال يؤيدها عدد من الكتاب ذوي الميول القومية العربية حذروا من يد إسرائيل التي تعمل على استفزاز الوتر الطائفي .
اميرة هويدي/السفير