موسكو للقاء قادة الكنيسة الارثوذكسية وفي مقدمهم البطريرك كيريل.
البطريرك كيريل هو الرجل القوي والمؤثر في الحياة العامة في روسيا والذي كانت له مواقف حادة لجهة رفض النمط الغربي العلماني في ابعاد الكنيسة عن الشؤون الوطنية والسياسية، أو لجهة تحديد مسار الدولة الروسية على صعد عدة داخلية وخارجية، وخصوصاً في ما يتناول قضية الاقليات في الشرق الاوسط بشقيها الاسلامي والمسيحي، اذ ان زيارته الشهيرة للعاصمة السورية عند بداية الحرب الاهلية السورية لا تزال ماثلة في الاذهان.
الاوساط المتابعة لمواقف الكنيسة الانطاكية الارثوذكسية، ترى في زيارة موسكو موقفاً كان يجب ان تبادر اليه الكنيسة الانطاكية الارثوذكسية منذ مدة طويلة، وخصوصاً بعدما انفضح الدور الاميركي – الغربي اللامبالي بالمسيحيين في الشرق الاوسط والذي يضع المصالح الاقتصادية والمالية للسياسة الاميركية والاوروبية فوق كل الاعتبارات الانسانية والاخلاقية، بدليل ما عاناه مسيحيو لبنان خلال الحرب المديدة في لبنان، او خلال مرحلة ما بعد الحرب، يوم باركت السياسة الاميركية ضرب الحضور المسيحي في مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والادارية بذرائع مختلفة. والرأي لدى الاوساط المتابعة للملف المسيحي ان البطريرك يوحنا العاشر المعروف بصلابة اعصابه وترويه ومقاربته الهادئة للامور، وربما اختار توقيت الزيارة لإبعادها عن كل أشكال الاستثمار السياسي والطائفي وحتى المذهبي الضيق، وعلى ابواب مرحلة جديدة يشرع ابوابها مؤتمر جنيف – 2 الذي يراد له ان يقارب الحلول السياسية للحرب الاهلية السورية ويبحث عن حل لها، وخصوصاً ان الدور الروسي كان واضحاً وجلياً في دعم الاقليات واعلان حمايتها والترويج لهذا الامر كمسألة استراتيجية لا تقبل المساومة، الامر الذي استوعب مفاعيله وابعاده تماماً رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم بدليل الموقف الرافض للحرب على سوريا من البابا فرنسيس في روما، وما رافقه من تحركات وتداعيات القت بثقلها على الموقف الاميركي – الاوروبي من الهجوم على سوريا في موازاة الاذى المعنوي الفادح الذي انزلته الحركات السلفية – الجهادية بمسار المعارضة السورية.
والرأي لدى الاوساط أن زيارة البطريرك الانطاكي لعاصمة الاتحاد الروسي موسكو، هي تأكيد جديد لأهمية الحضور المسيحي في الشرق الاوسط سواء في لبنان او في سوريا، او ما يصطلح على تسميته الحضور المسيحي في المشرق بالتزامن مع البدء في مناقشة مستقبل سوريا التي يحتسب السوريون المسيحيون فيها بنسبة 10 في المئة من عديد سكانها. وهم يشكلون مع الاقليات المسيحية والاسلامية الاخرى ثقلاً وازناً في المعادلة الداخلية السورية وهذه ما أثبتته الاحداث منذ بدء الحرب في سوريا. وبهذا المعنى، فإن البطريرك يوحنا العاشر، من خلال اجتماعه مع رأس الكنيسة الروسية وقيادتها، يحمل معه هموم السوريين عموماً والمسيحيين منهم خصوصاً، ومرادهم واهدافهم ورؤيتهم الى سوريا مستقبلاً. وهذا أمر لم يعد حكراً على النظام الحاكم ولا على المجموعات التي تعلن معارضته وقتاله، بل ان ثمة قوى اساسية لا يجب التغافل عن حضورها وشخصيتها بعد اليوم عند البحث في المستقبل وخياراته وليس هناك أفضل من الروس دولة وحكومة وكنيسة لنقل وجهة النظر هذه وفرضها على طاولة المفاوضات وفي الصيغ المطروحة.
تبقى الاشارة الى ان البطريرك يوحنا هو من اصحاب المبادرات ومذلّلي الصعاب، بدليل قيامه بزيارة البابا فرنسيس ولقائه مطولاً لمناقشة الامور بين الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية وشعبيهما، الامر الذي يقال انه ساهم في تغيير نظرة البابا الى الكثير من الامور في ما يخص الشرق الاوسط وقضاياه التي لا تنتهي.
بيار عطالله / النهار