سأل البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي: "كيف تستطيع المدرسة أن تربي جماعات تقبل بالآخر مختلفا، وترى في التنوع غنى، فيما يشهد طلابنا نزعات أصولية تجهد في قمع الحريات،
وممارسة العنف، وإلغاء الآخر المختلف؟ وكيف تستطيع المدرسة أن تقوم بواجبها في التربية على السلام والمسامحة في زمن قلت فيه العدالة وازداد العنف والإرهاب وتفاقم الحقد ومورست على الناس أنواع التمييز العنصري والديني"؟
افتتح المؤتمر السنوي الثامن عشر للمدارس الكاثوليكية أعماله في مدرسة الراهبات الأنطونيات في غزير، تحت عنوان "الإدارة في المدرسة الكاثوليكية: رسالة ومهن"، في حضور البطريرك الراعي، بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك نرسيس بيدروس التاسع عشر، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي حسان دياب، ممثل رئيس تكتل الإصلاح والتغيير النائب ميشال عون النائب جيلبرت زوين، ممثل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع النائب ايلي كيروز، ،القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور باولو بورجيا، النائب العام لجمعية الراهبات الأنطونيات ورئيسة ثانوية الراهبات الأنطونيات الأم جوديت هارون، نقيب المعلمين نعمة محفوض، لفيف من المطارنة، رئيس الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة – لبنان، ورئيس مؤسسة لابورا الأب طوني خضره، إضافة الى وفد من قنصلية فرنسا والمعهد الفرنسي في بيروت، رؤساء ورئيسات عامات، شخصيات تربوية وتعليمية.
بعد صلاة الإفتتاح، كلمة ترحيبية للأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب مروان ثابت عرض فيها "أهداف المؤتمر الثلاثة، وهي: ثقافة التجدد من أجل مدرسة أكثر فعالية، مبادرات الجودة في المدرسة الكاثوليكية من باب الطرائق والإستراتيجيات، وثالثا المعلم في المدرسة الكاثوليكية".
وشدد على ان "هذه الثلاثية في ثقافة ومبادرة الجودة ومحورية دور المعلم تدخل ضمن إطار شامل يجمعها في روحية من الجودة التربوية ألا وهي الإدارة المدرسية التي تشكل رسالة أولا ومن ثم مهنة".
المطران مطر
بعدها تحدث رئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، مذكرا بأصول المأسسة في قيام المدرسة الكاثوليكية كما حددها المجمع البطريركي الماروني بالنقاط التالية:
أ- "تطوير هيكليات التعاون داخل كل مجموعة من مجموعات المدارس وتقويتها، فلا يجوز أن تبقى سياسة المدرسة خاضعة فقط لشخصية رئيسها أو مديرها، فتتبدل مع تبدله، ولا يجوز أن تستقل كل مدرسة في سياستها عن زميلاتها".
ب- "تطوير مفاهيم الشراكة الإدارية داخل كل مدرسة، فيشعر المعلمون والإداريون من كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين، على حد سواء، بأنهم شركاء في صنع القرار، ووضع السياسات، وتطوير البنى الإدارية".
ج- "توثيق المفاهيم التربوية والإدارية داخل كل جماعة تربوية وكل مدرسة (..) ومن خلال توثيق هذه المفاهيم، تتجنب المؤسسات توترات لافائدة منها، ومشاعر القلق التي قد تنتاب بعض أعضائها عند تغيير رأس الهرم في المدرسة".
د- "تنظيم عناصر الأسرة التربوية من أهل ومعلمين وقدامى، بغية تثمير الطاقات التي يتمتعون بها" (النص السادس عشر في التعليم العام والتقني -الفقرة 45).
أضاف: "وفي المناسبة نتوجه الى معالي وزير التربية الوطنية، وهو المسؤول عن المؤسسة التربوية الكبيرة في الوطن، ويشمل برعايته تثبيت التوازن الذي تقوم عليه الأسرة التربوية بعناصرها الأساسية وهي التلميذ، الأهل، المعلم والإدارة المدرسية. فإذا فقدت هذه المعادلة توازنها، فأن العملية التربوية تصبح برمتها معرضة لأخطار التلاشي والضياع. كما نريد أيضا أن نلقي الضوء على موضوع الزيادة المرتقبة في الدرجات المقترحة لأساتذة التعليم الإبتدائي، والتي تشمل ايضا أساتذة المدرسة المجانية، دون أن تؤمن الدولة لهذه المدرسة عبر قوانين مناسبة زيادة في المخصصات، عندما تفرض هي بالذات درجات جديدة لمعلمي هذه المدرسة، بما يشكل تناقضا ملحوظا وغير مقبول في مواقفها على الإطلاق".
وتابع: "هنا لابد من طرح السؤال التالي: ما هو مصير المدرسة المجانية ضمن هذا الواقع؟ وهل بإمكان الحكومة أن تتحمل تبعات إقفالها وهي مدرسة الفقراء والمعوزين؟
وما هو مصير المواطن العادي اذا ما ترتب عليه ارتفاع القسط المدرسة عن أولاده دون أن ينال هو ايضا زيادة في راتبه وفي دخله؟".
وختم: "نحن لا نرفض الحق الواجب للمعلم، إنما نحن ككنيسة نرفض أية زيادة تفرضها الدولة ولا تساعد الأهل لتحملها لئلا تعاق مسيرتهم في حياتهم الإنسانية والإقتصادية، فنتمنى على الحكومة أن تعير هذا الوضع اهتمامها المباشر والآني، وتسعى الى إيجاد الرابط الواجب بين هذه الزيادة وسلسلة الرتب والرواتب للمعلمين ولجميع الموظفين، إننا نحذر من خطورة هذا الأمر، لأن هذه الزيادة ستؤدي في المدى المباشر الى تهديد مصير المدرسة المجانية والى تقويض المدرسة الخاصة في لبنان على المدى المتوسط، وذلك دون وجه حق ودون رؤية تربوية ووطنية مسؤولة. وكلنا يعلم ان المدرسة الخاصة هي شريان أساسي لاستمرارية الوطن في مقوماته الحالية والمستقبلية".
الراعي
ثم ألقى البطريرك الراعي الكلمة التالية: "إذهبوا وتلمذوا كل الأمم" و"كما أرسلني الآب أرسلكم أنا أيضا" (متى 28:19). المسيح هو مرسل من لدن الآب، والمربون رسله الى العالم، ويحملون وديعة التبليغ، فالتعليم رسالة واختصاص لكل الأزمنة، بتكليف مباشرة من المعلم الإلهي، ما يقتضي من مدارسنا الكاثوليكية أن تربي بالقدوة والكتاب، بالمثل الحي والترشيد".
وأضاف: "تشكل المدرسة بالنسبة الى أبناء لبنان، الدافع والوسيلة لدخول عالم الحداثة، لكنها تواجه اليوم عددا من التحديات ينبغي أن نعي أهميتها وخطورتها، ويجب علينا أن نرسم الخطة الإستراتيجية لمواجهتها، وان نعد الكوادر البشرية لتنفيذها".
1- سؤال أساس:يجهد كبار المفكرين التربويين في تحديد معالم الإجابة على سؤال أساس: ماذا يجب أن نفعل اليوم لنربي صانعي المستقبل؟ تكمن أهمية هذا السؤال/المقياس في كونه يفرض قراءة متجددة لما نقوم به في مدارسنا ومؤسساتنا التربوية، فتلاميذ اليوم والأجيال المقبلة يواجهون تغيرات متسارعة في حياة الفرد والجماعة، ما يقتضي منا تطويرا ملائما في مناهج التعليم وأساليب التربية، لقد خلصت أحدث الدراسات الى وجوب الإنتقال من تربية تقتصر على مرحلة من عمر الإنسان، وعلى جزء من طاقاته، وعلى فئة من المجتمع، الى تربية تدوم مدى الحياة، وتشمل الإنسان، كل إنسان، في كامل مواهبه وطاقاته، فتجعله عضوا مؤثرا في محيطه وقادرا على التكيف وفقا للمتغيرات".
تحديات وتساؤلات
تواجه تربية صانعي المستقبل تحديات ومعضلات تطرح العديد من التساؤلات:
1- "كيف نستخدم وسائل الإتصال وتقنيات الإعلام، ونستفيد مما تقدمه، مع المحافظة على الذاتية والإستقلالية في الرأي من جهة، وكيف تستطيع المدرسة ان تربي على القيم والحرية الحقة، في مجتمع تتناقض سلوكياته معه المثاليات التي تعلمها، من جهة أخرى؟
2- كيف تستطيع المدرسة أن تساعد تلامذتها في إعداد مستقبلهم بصفاء، وإيجاد أسباب الرجاء، فيما الوضع الإجتماعي والإقتصادي وإدارة الشأن العام تدفعهم الى الهجرة، سعيا الى فرص عمل وعيش كريم، ومن ناحية أخرى، كيف تستطيع المدرسة أن تربي جماعات تقبل بالآخر مختلفا وترى في التنوع غنى، فيما يشهد طلابنا نزعات أصولية تجهد في قمع الحريات وممارسة العنف وإلغاء الآخر المختلف؟
3- كيف توفق المدرسة بين أحقية المنافسة بجودة التعليم وحداثة تقنياته، وعجز الأهل عن تحمل أعباء التعليم وتلكؤ الدولة عن المساهمة في دعمه، بين المناهج العلمية، والرسالة التربوية التي تشمل شخص التلميذ في كل طاقاته ومواهبه وأبعاده الروحية والأخلاقية والإجتماعية والوطنية؟
4- كيف تستطيع المدرسة ان تقوم بواجبها في التربية على السلام والمسامحة في زمن قلت فيه العدالة، وازداد العنف والإرهاب، وتفاقم الحقد، ومورست على الناس أنواع التمييز العنصري والديني، وهي في الوقت عينه مدعوة لتجنيب الجماعات المسيحية الوقوع في ذهنية "الغيتو" ولمساعدة تلاميذها المسيحيين للقيام بالشهادة المطلوبة منهم بروح من الشركة والمحبة، وللتضامن والتعاون مع المجتمع العربي الإسلامي من دون التنكر لهويتها المسيحية الكاثوليكية؟
ان هذه التساؤلات تقتضي من الإدارة التربوية ان تواجهها وتحللها وترسم الإستراتيجيات الضرورية كي يبقى تراث المدارس الكاثوليكية في التربية حيا ومشرقا. لكن الإدارة التربوية لا تستطيع القيام بهذا العمل الشائك والصعب إذا لم تكن عميقة الوعي لرسالتها ودائمة الإستعداد للتعلم والتطور والتأقلم مع المتغيرات. أليست هي صاحبة رسالة وفن؟ الرسالة هي ايصال جوهر التعليم، والفن هو الوسائل والأسلوب والنهج. وهذان عنصران أساسيان لضمان جودة التعليم ونوعية التربية، وهذا يفرض ضرورة التخصص في الإدارة التربوية والشعور بالحاجة للاعداد المستمر من قبل الذين يتحملون هذه المسؤولين، كما يفرض على مرجعيات المدارس التخطيط الواضح والجدي لتحضير هؤلاء الاشخاص، ليس من المقبول، أمام تحديات اليوم وغدا التغني بأمجاد الماضي أو ارتجال العمل الإداري والتربوي. فيما أعرب عن شكري وتقديري لسيادة المطران بولس مطر رئيس اللجنة الأسقفية للتربية وأعضائها الكرام، ولحضرة أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب مروان تابت وفريق عمله، ولجميع العاملين في هذا القطاع الحيوي، كنسيا واجتماعيا ووطنيا، بل ولكل المشاركين في هذا المؤتمر، ألتمس من الله لهذا المؤتمر انطلاقة متجددة في الإدارة التربوية، تدفع بالمدارس الكاثوليكية نحو الأمام في استمرارية جودة التعليم العلمي، ونوعية التربية لأجيالنا الطالعة".
اتفاقات تعاون
ثم تم توقيع اتفاقات تعاون وتبادل خبرات تعليمية وتربوية بين اتحاد المدارس الكاثوليكية والقنصلية الفرنسية والمعهد الفرنسي في بيروت.
بعدها بدأت جلسات عمل تستمر حتى يوم غد الثلثاء حيث تصدر توصيات.