من اجل وضع الكثير من الامور في نصابها، وخصوصاً بعدما ارتفعت اصوات كثيرة من داخل الكنيسة وخارجها تطالب بالاصلاح ولو بالحد الادنى في كل المؤسسات المالية والاجتماعية والتربوية التابعة للكنيسة، بعدما تضخمت احجامها ومهماتها الى مستوى غير مسبوق وازدادت وتيرة المطالبة بضرورة “مأسسة الكنيسة في بناها الادارية والتنظيمية وهيئاتها وجمعياتها، ولم يعد مقبولاً ترك الامور دون اي تخطيط ورؤية مستقبلية”.
هذا الكلام لاوساط كنسية ترى في تشكيل اللجنة حركة اصلاحية قد تثمر الكثير اذا احسنت ادارتها والتعامل معها، وقد تشكل فشلاً ذريعاً وتبقى محدودة النتائج والآفاق في حال سوء الادارة. لم تؤدّ التجارب السابقة الى نتائج كبيرة على مستوى اصلاح مؤسسات الكنيسة، وتراجعت الامور في مفاصل اساسية ليس أقلها ملفات ادارة اراضي الكنيسة، بدليل ما جرى في لاسا وأفقا، وقد توّج بتسوية كبيرة بعد تدخل سياسيين وعقلاء والبطريرك الراعي شخصياً. وثمة نظر أيضاً في ملفات المدارس الكاثوليكية، او في ملف عودة المسيحيين الى الدولة سواء من خلال قانون الانتخاب أو من خلال التوظيف في القطاع العام أو تملك الاراضي. ويبدو للمراقب من بعيد ان بكركي “كمن يحفر في الصخر”، خصوصاً في ظل الانقسام العمودي والافقي بين المسيحيين وتوزعهم بين فريقي السنة السياسية والشيعة والسياسية. واستناداً الى اوساط كنسية، فإن اللجنة الجديدة باشرت عملها سراً، وهي تضم الى البطريرك الماروني، النائب البطريركي المطران بولس صياح، والمطران كميل زيدان، والاباتي داود رعيدي (الرهبانية الانطونية)، والام غبريال بو موسى والام ماري مخلوف (راهبات دير الصليب) والخور أسقف جوزف البواري القيم البطريركي العام، والعلماني الوحيد النائب ابرهيم كنعان بصفته رئيس لجنة المال والموازنة و”المحرك الفاعل” فيها. على ان تضم اللجنة الى اجتماعاتها قريباً مطراناً عن طائفة الروم الكاثوليك. اما الخطوة الاولى للجنة، فهي اجراء جردة لكل الملفات المالية والاقتصادية المتصلة بشؤون الكنيسة الكاثوليكية في لبنان، وكل ما هو على تماس مع مؤسسات القطاع العام وصولاً الى البدء بتنظيم الامور من داخل الكنيسة ومواجهة “حالات الفساد اذا وجدت والعمل على استئصالها”، وصولاً الى محيط الكنيسة الاقرب والابعد وانتهاءً بما يحقق “الشراكة الفعلية في الدولة اللبنانية ويعيد انتاج الميثاقية الحقيقية بالوقائع وعلى ارض الواقع لجهة تحقيق المساواة بين كل المؤسسات الدينية في لبنان، سواء اكانت اسلامية ام مسيحية، والكلام للاوساط الكنسية. وعلى جدول الأعمال ايضاً التخطيط المالي والاقتصادي ودرس امكانات مساهمة المسيحيين ومؤسساتهم وفاعليتهم في الدورة الاقتصادية والمالية للبلاد عموماً وفي كل القطاعات دون استثناء، سواء أكانت زراعية ام صناعية ام اسكانية. لكن الأهم في رأي الاوساط ان العمل سينصب بتوجيه من البطريرك على التخطيط المشترك مع العلمانيين واصحاب الفكر والرأي في “كل ما يعود على المسيحيين بالخير وتعزيز عودتهم الى الدولة بعدما دفعوا الى الخروج منها منذ عام 1990، وبعدما تحول التأثير المسيحي في الدولة الى تأثير شخصي، مما أثمر عجزاً عن ترتيب التوازن والمناصفة في الكثير من الحالات”. والمسألة برأي رجالات الكنيسة تحتاج الى المبادرة، وهذا ما يتحقق بتزخيم العمل في مؤسسة “لابورا” وتطوير امكاناتها، اضافة الى العمل من خلال المؤسسات العامة وفي مقدمها العلم التشريعي في مجلس النواب ومن خلال الضغط في اتجاه الاتيان برئيس جمهورية قوي “يحمل هموم المسيحيين وكل اللبنانيين في العيش المشترك والمتوازن”. لا تجارب اصلاحية سابقة في الكنيسة الكاثوليكية في لبنان بشقيها الماروني وفي سائر الكنائس، وبهذا المعنى يصبح الكلام عن الاصلاح أمراً خطيراً يحتاج الى الكثير من الصبر والتمعن، لأن العثرات تعني الكثير من الاحباط لمجتمع يحاسب ويراقب وينتظر الكثير ممن يؤتمن على مجد لبنان.
بيار عطالله / النهار