شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | الصلاة والوساوس الوسواس الديني (3) بقلم عدي توما
الصلاة والوساوس الوسواس الديني (3) بقلم عدي توما
الصلاة

الصلاة والوساوس الوسواس الديني (3) بقلم عدي توما

الآن سنتكلّم عن موضوع الصلاة ، وكيف ننظرُ إلى الله نظرة ً بعيدة ً عن  الوسواسيّة والصور المشوّهة والأفكار المغلوطة. الله ضمير المخاطَب لا يستطيعُ أبدًا أن يصبح ضمير الغائبْ ..
هكذا قالَ جبرائيل  مارسيل . حين نتكلّم على الله بقولنا : هو ، لا يعودُ الكلام على الله بل على موضوع  فقط . الكثيرُ من الناس اليوم ، يتعاملونَ مع الله بهذه الطريقة البشعة ، ويجعلونه  مجرّد ” قطع غيار وقت الحاجة ” ( موضوعًا ) . يمكن الكلام على موضوع من الموضوعات ،  لكن الله لا يمكن أن يكون موضوعًا على الإطلاق . بل هو الذاتْ.  لا يمكن أيضا أن  يكون الله ” مفعولا به ” ، وإلاّ لكانَ صورة هزليّة لله .من جهة أخرى ، ليس الله غائبا . يُقال “هو ” في الغائب ، وإذا كان أحد حاضرًا ،  لا يقالُ فيه  ” هو ” ، بل ” أنتَ ”  . لهذا ، فجذرُ الصلاة هي مخاطبة الله بــ”  أنتَ ” .. كلّ شيء حوار في هذه الدنيا . فهناكَ الحوار مع أنفسنا ونسمّيه الفِكر ،  وهناك الحوار مع الأشياء أو مع الأحداث ونسمّيه العمل ، وهناك الحوار مع الآخرين  ونسمّيه الرفقة أو الصداقة أو الحبّ ، وهناكَ الحوارُ مع الله ونسمّيه ” الصلاة ” .  إذن ، الصلاة هي حوارٌ ، والحوار يستدعي إحترام الآخر المقابل ، ويستدعي الإنتظار ،  والتأمّل في الكلام، وتبادُل النظرات ، والحركات ، واللمسات ، والهدوء ، وعدم  إستعمال الآخر بحسب مزاجي المتقلّب .. وهنا ، تظهرُ لنا حقيقة مهمّة ، ألا وهي أن  الله : شخص وليس فكرة ! . والشخص ، هو كائنٌ حرّ علائقيّ خصبٌُ ( لا يُستعمَل  لمصالحنا الشخصيّة وغرائزنا وملذّاتنا الدنيويّة ) ، بمجرّد كبسةَ زرّ نأخذ ُ ما  نريدُ وما نحبّ ! . الله كائنٌ شخصانيّ بإمتياز .

الحوارُ مع الله ، لا يُضاف إلى سائر الحوارات ، وليس هو خارجًا عنها ، لإن الله  ليس هو كائنا يُضاف إلى سائر الكائنات . ليس هو تكملة في عدد المخلوقات ، كما يقول  الفلاسفة . هذا هو سرّه ( وعلينا إحترام وقبول السرّ في الآخر ) ، والوسواسيّ  الدينيّ ، لا يقبل بإحترام السرّ الإلهيّ .. بل يقوم بتصوّرات خياليّة جامجة مؤلمة  ً جدّا لحياته ولحياة الآخرين ؛ الوسواسيّ يريدُ الله فقط لنزواته وحاجاته ومصالحه  الشخصيّة كما ذكرنا ، إنه يستعملُ الله ( وعندما نقول ُ له : لا يجوزُ هكذا أن  تستعمل الله بهذه الطريقة المشوّهة ، يجيبنا فورًا ” أوليس هو الله خالقنا ويقدر  على كلّ شيء ويعرفُ كلّ شيء وبيده كلّ شيء ! ، الوسواسيّ قدريّ أيضا ، كلّ شيء ، في  تصوّره ، مكتوبٌ وحظّنا بين يديه هو فقط . وعندما يفقدُ الثقة تمامًا ، ويشعر بإنّ  ” الله صامتْ ” لا يتكلّم  ( في تصوّره ) ، سيلتجأ إلى العلوم الباطنيّة وعلوم  الطاقة ليتغذّى منها ويتعشّى ..!

الصلاة ، إسرار متبادل بين الله والإنسان . ليست الصلاة مجرّد تلاوة عبارات ٍ ،  بل هي حديثٌ خاصّ مع الله . المسألة ليست مسألة إطلاع الله  على أحوالنا ، بل أن  نكونَ في موقف حقّ في العمق ، وهو موقف أبناء وبنات الله في طور التأليه . من  الطبيعي أن يكونَ موقفنا موقفا بنويّا ، إسراريّا . الصلاة هي تقبّل عطية الله  ونعمته ، الصلاة تُزامن الوعي لما هو الله ولما يعملُ في حياتنا ( فرنسوا فاريون )  . بمعنى ، أنّ الله يعملُ في داخل كلّ من أعمالنا الحرّة ، يضفي بعدًا إلهيّا على  نشاطنا المؤنّس ، إذ لا يكون النشاط بشريّا في الحقيقة ، ما لمْ يكن مؤنّسا . تقومُ  مهمّتنا ، أيّا كان نوعها ، على بناء عالم أكثر إنسانيّ . إن الله ، هو داخل كلّ  قراراتنا ، وأنه يأخذها بعين الإعتبار ليضفي عليها بعدا إلهيّا بكلّ معنى الكلمة،  لكي يكونَ نشاطنا المؤنّس لا نشاطا بشريّا فقط ، بل نشاطا بشريّا – إلهيّا . الله  لا يمرّ من فوق رأس الإنسان وكأنه كائنٌ عجوزٌ بيده العصا ينظرُ إلينا من علياء  سمائه ، ونحنُ على الأرض نعملُ كـ ” النمل ” أمام عينيه ! .. الله في أكبادنا  وقلوبنا ، فهو متجسّد فينا ( الكلمة صارَ جسدًا ) . الكثيرون إلى الآن ، في هذه  اللحظة ، لم يُدركوا عظمة سرّ التجسّد ، وسرّ بنوّتنا لله الحقيقيّة .. إنّ السرّ  موجودٌ وحقيقيّ ، لكنّه لم يعملُ إلى الآن في أحشائنا وفي حياتنا بكلّ ديناميكيّة  مسيحيّة . الروحُ القُدس عملَ وخلق وحرّر وخلّص ، وهو لم يتوقّف أبدًا ، فلا زالَ :  يخلقُ ويحرّر ويخلّص ويُحيي … إنه الروح القدس الذي يجعلُنا أبناء الله وبناته ،  أحرارًا مسؤولينَ ..

فقط ، عندما تُدرك أنّك إبنٌ لله – بنتٌ لله .. تتحرّر من كلّ مخاوفك ، وأوهامَك  ، ومخيّلتك ، ووسواسَك المرضيّ ، الصور البشعة المشوّهة عن الله وعن الإنسان . الله  والإنسان ، كلاهُما يعملان معًا كلاعبي الهجوم في مباراة الحياة ، ليوصلا إلى الهدف  الأسمى , لا يعملُ الله من دون الإنسان ، ولا الإنسان من دون الله ، وهذا كان تاريخ  الخلاص في العهدين القديم والجديد . الله يدعو ، والإنسان يلبّي النداء أو الدعوة  الإلهيّة .

وصلنا أخيرًا إلى ، موضوع آخر ألا وهو : الإصغاء . كيف نقدرُ أن نتعلّم الإصغاء  لله . يكتبُ جيرارد هيوغز ” إن الصورة المعيّنة التي نملكها عن الله تعتمدُ كثيرًا  على طبيعة تربيتنا وكيف نتصرّف تجاهها ، لإنّ أفكارنا ومعرفتنا تنبعانِ من تجربتنا  ” . الصور التي تعطيها إيّاها التربية البيتيّة من الأهل أو الأقارب ، تؤثّر كثيرًا  وبطريقة عنيفة ، على تصوّراتنا عن الله وعن الحياة وعن العالم . وبهذه الطريقة ، لا  نقوى على عمليّة الإصغاء السليم لله ، فالأهل ربّما يصوّرون لولدهم صورة قاتمة  مخيفة عن الله ، بعيدًا ، جبّارا ، يزعل منّا ، يغضب .. الخ .. قليلٌ منّا يعطي  صورة أبويّة عن الله ، وإنه مهما فعلنا فهو لا يزال يحبّنا لإنه أبٌ ونحن أولاده .  فقط عندما نقدرُ  أن نعرفَ أن الله ” أبونا ” ، قد نقوى على الإتصال والترابط الحيّ  معهُ .  أدركَ يسوع حضورَ أبيه في كلّ وقت ومكان ، إنه متّجه كليّا نحو ” الآب ”  ومنه إلينا . إنه إتصالٌ شاملٌ بالآب .  الأخ لورانس وهو راهبٌ من القرن السابع عشر  ، إكتشفَ كيف ينفتحُ على الله في ظلّ مهامّه العادية اليومية . عاشَ في حضور الله (  وهذا هو معنى الصلاة الحقيقيّة  –  الشعور بحضور الله ) ، عبر الإنتباه البسيط ، في  مطبخ الدير حيث يعمل . وفي وقت تنظيف الأرض أو في تحضير الطعام ، وقال ” إنه  يكلّمني ومتعتهُ اللامتناهية هي رفقتي بآلاف الطرق ” . لم يكن يسوع متفهّما حكمة  أبيه فقط ، بل توقيته . إنه الشخص المصغي الدائم للآب ، ويعرفُ توقيتاته ، إن يسوع  له ” دالّة كبيرة وعفويّة ” مع الآب . إن ” متعوّد ” على نغمة الآب السماويّ .  ويدركُ تخطيطاته ومشاريعه ولمساته . إنه الإبن الحقيقيّ لله . ويا ليتنا نكونَ هكذا  ونصيرُ أبناءً حقيقيّين للآب السماويّ .. في هذه ” اللحظة ” فقط ، عند شعورنا ”  بالبنوّة ” ، سندرك  الكتاب المقدّس ، ونضعُ أنفسنا فيه ، لنقرأ حياتنا  .

زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).