ستظل في فراغ إلى أن يكملها الله نفسه. إنها تحتاج إلى حب أقوى من كل شهوات العالم. وهى عطشانة، وماء العالم لا يستطيع أن يرويها (يو 4: 13).
قل له يا رب: لست أجد سواك يفهمني.
في طمأنينة ، افتح له قلبي، وأحكى له كل أسراري، وأشرح له ضعفاتي فيسمعها ولا يحتقرها. وأسكب أمامه دموعي، أشعر معه أنني لست وحدي، وإنما معي قلب يحتويني وقوة تسندني..
بدونك يا رب، أشعر أنني في فراغ، ولا أرى لي وجودًا حقيقيًا. أنت هو عمانوئيل، الله معنا.. روحي تشتاق إلى روحك الكلى القداسة ، تشتاق إلى ما هو أسمى من المادة والعالم وكل ما فيه.. نعم، إن في داخلي اشتياقًا إلى غير المحدود، لا يشبعه سواك.
هذه هي صلاة الحب، وهى أعلى من مستوى الطلب. فأنت قد تصلى ولا تطلب شيئًا..
قد تكون صلاتك شكرًا على ما أعطاه لك الله من قبل. تشكره على عنايته بك، ورعايته لك، وعلى ستره ومعونته وكل إحساناته، لك ولكل أصحابك وأحبابك..
وقد تكون صلاتك تسبيحًا لله، مثل صلاة السارافيم ” قدوس قدوس، رب الجنود السماء والأرض مملؤتان من مجدك وكرامتك” (أش 6).
مجرد وجودك في حضرة الله متعة، حتى لو لم تفتح فمك بكلمة واحدة، حتى لو لم يتحرك ذهنك بأي فكر، كطفل في حضن أبيه ولا يطلب شيئًا سوى أن يبقى هكذا..
ترى ما الذي يمكننا أن نطلبه في ملكوت السموات؟! لا شيء طبعًا. لأن هناك لا ينقصنا شيء حتى نطلبه. إنما نتمتع بما قال عنه المرتل ” ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب” (مز 34: 8). الصلاة هي طعم الملكوت هذا. نذوق هنا على الأرض ما سوف نتمتع به في السماء…
لذلك قيل عن الصلاة إنها طعام الملائكة.
هي طعام أرواحهم، وهى غذاؤهم الذي يشبعهم. وهكذا أيضًا بالنسبة إلى أرواح القديسين، وكانت على الأرض غذاء للآباء الرهبان القديسون والراهبات القديسات ويتغذون فيها بمحبة الله وعشرته، ومتعة أرواحهم به. كما قال المرنم للرب “أما أنا فخير لي الالتصاق بالرب” (مز 73: 28)
مبارك هو إلهنا الطيب الذي منحنا أن نصلى. تواضع منه أن يسمح لنا بأن نتحدث إليه.
وتواضع منه أن يصغى إلينا.. من نحن التراب والرماد، حتى نقترب إلى الله، ونقف أمامه ونتحدث إليه..و نضم أنفسنا إلى صفوف الملائكة الواقفة أمام عرشه تسبحه وتبارك اسمه، وتتبارك بالوجود في حضرته. حقًا إنه الخالق، أن يسمح لنا نحن مخلوقاته بهذه الدالة: أن نكلمه ويسمعنا.
لذلك عار كبير وخطية كبرى، أن تقول: ليس لدى وقت للصلاة..!!
هل يجرؤ العبد أن يقول إنه ليس لديه وقت للكلام مع سيده؟! عجيب بالأكثر أن المخلوق ليس لديه وقت للحديث مع خالقه ! إن أمورًا عديدة وتافهة تجد لها وقتًا..
ومحادثات لا قيمة لها، تجد لها وقتًا. لماذا إذن تحتج بضيق الوقت في الحديث مع الله؟!
إن داود النبي كان ملكًا وقائدًا وقاضيًا للشعب، وله أسرة كبيرة، ومع ذلك يقول للرب “سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك” (مز 119) ” عشية وباكر ووقت الظهر”، “وفي نصف الليل نهضت لأشكرك..”، “وسبقت عيناي وقت السحر لأتلو في جميع أقوالك” (مز 119).
صــــــــــلاة :
أيُّها السيِّد، إنِّي أتوسَّلُ إليكَ، أن تجعَلَ قوَّةَ حبِّك المشتعلة والعذبة
تتملَّكُ نفسي وتَنتشِلُها مِن كلِّ ما هو فاني تحتَ السماء،
حتّى أموتَ حُبًّا بحبِّك، مثلَما تنازلتَ فمتَّ حُبًّا بِحُبِّي.
( القديس فرنسيس الاسيزي )
بقلم الأب بيوس فرح ادمون فرح