بالأمس، احتفلت البشريّة بمرور 25 عاماً على ولادة الشبكة العنكبوتيّة www. ربع قرن، شهد خلاله العالم تطوّرات مهولة، في مجال التواصل والتكنولوجيا والاستثمار. كثرٌ ممّن يقرأون هذه الأسطر اليوم، يجهلون معنى الحياة من دون ويب، مع ما تتيحه من فرص كبيرة للمعرفة. يعود الفضل في ذلك إلى مخترع الشبكة البريطاني تيم بيرنرز لي الذي كان الرائد الأوّل في تخيّل الاحتمالات الكبيرة التي يمكن أن تتيحها «منظومة أرشفة ضخمة». بدءاً من اليوم، ننشر سلسلة مقالات تتناول الويب، وأثرها في مجالات حياتنا كافة. البداية مع واقع النشر الالكتروني اليوم، كمفهوم ثوّر العمل الإعلامي حول العالم، وتحوّل إلى استثمار يدرّ أرباحاً خياليّة، كما تشير الأرباح الأخيرة لبعض الصحف العالميّة.
تبقى الكلمة الفصل للأرقام، حتى في عالم اللغة، وتحديداً في مجال الإعلام. وبما أنَّ مقتضيات العصر الإلكتروني فرضت نفسها على نشر الكلمة، كان لا بدّ من إرفاقها بمصطلح جديد يتناسب مع الثورة الرقمية، وهو «الأرباح الرقمية» أو إيرادات النشر الإلكتروني. في الخامس من آذار الحالي، أعلنت «مجموعة الغارديان للإعلام»، انّها تتوقع نمواً بنسبة 25 في المئة من النشر الإلكتروني، وذلك للمرة الأولى منذ 6 سنوات.
و«الغارديان» التي طالما أتاحت محتواها الرقمي مجاناً أمام القارئ، تعتمد بالدرجة الأولى على الإعلانات وعلى الشركات الراعية كمصدر للربح. وقد أوضحت أنها تتوقع أن تزيد تلك الأرباح للعام المالي 2013/2014، 70 مليون جنيه إسترليني (أيّ ما يعادل 117 مليون دولار). وأشارت الصحيفة إلى أنّ أهمية هذه الأرقام تأتي بعد دراسة نشرت مؤخراً أظهرت أن أرباح الناشرين البريطانيين من الإعلانات الرقمية، ارتفعت بنسبة 18 في المئة في العام 2013 عمّا كانت عليه في العام 2012. تقرير «الغارديان» يندرج ضمن تقليد سنوي، بدأت الصحف والمجلات الغربيّة بإصداره مؤخراً، حول أرباحها في مجال النشر الإلكتروني. كذلك، دأبت بعض الشركات المتخصّصة، على دراسة الوضع الحالي للنشر الإلكتروني في محاولة تكوين فكرة واضحة عن «الأرباح الرقمية»، ومعرفة مدى تأثيرها على المستقبل الإعلامي. في حزيران من العام الماضي، أصدرت مؤسسة «إيرنست آند يانغ» الرائدة في مجال المال والأعمال والاستشارات، دراسة كشفت فيها عن أنَّ معظم أرباح وسائل الإعلام والترفيه الكبرى للعام 2015، سيكون مصدرها النشر الإلكتروني.
ولفتت الدراسة التي نشرت بعنوان «الحركة الرقمية الآن»، إلى أنَّ الأرباح من النشاط الرقمي وصلت فعلاً في بعض الشركات المستطلعة إلى 47 في المئة، مشيرةً إلى أنّه في العام 2015 ستصل إلى 57 في المئة. خلال السنوات الأخيرة، استخدمت الصحف البريطانية والأميركية أساليب «رقمية» مختلفة لجذب القراء. فاعتمد بعضها على المادة المدفوعة من خلال اشتراك سنوي أو شهري، فيما عمد البعض الآخر إلى الإبقاء على المواضيع معروضة مجاناً مع الاعتماد على الإعلانات، أو على مصادر ربح أخرى، كتطبيقات الهواتف الخليوية وغيرها.
وفي العام 2007، برزت صحيفة «فاينانشل تايمز» البريطانية من بين أولى الصحف التي جهدت لبناء محتوى رقمي «هادف»، فعملت على مدى سبع سنوات لتطوير نموذج يفضّله القارئ، وتتقبله المنظومة الرقمية العريضة. في أواخر الشهر الماضي، أعلنت الصحيفة عن نمو أرباحها في العام 2013 بنسبة 17 في المئة مقارنة بالعام السابق، كاشفة أن أكثر من نصف تلك الأرباح مصدره النشر الإلكتروني. وأوضحت أن الإعلانات الإلكترونية والاشتراكات الرقمية إضافةً إلى الخدمات، شكلت حوالي 55 في المئة من الأرباح العامة، مقارنة مع 31 في المئة في العام 2008. وقال المدير التنفيذي للـ«فاينانشل تايمز» جون ريدينغ، في مقابلة مع موقع «ميديا بريفينغ» المتخصص بتحليل ودراسة وسائل الإعلام، إنَّ ارتفاع أرباح الصحيفة هذا العام، كان نتيجة تحوّلات جذريّة بعيدة عن الاعتماد على الإعلانات المطبوعة، وبالاستناد إلى الاشتراكات عبر الانترنت.
وأضاف: «لقد واجهنا سنة بعد أخرى، انخفاضاً حاداً في سعر الإعلانات، التي شكلت طيلة 125 سنة المصدر الوحيد للأرباح»، ذلك أن «فاينانشل تايمز» تأسست في العام 1888، معتبراً أن «الصحيفة وصلت اليوم إلى مرحلة تمكنها من خفض اعتمادها على الإعلانات المطبوعة». من جهتها، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في تقرير نشرته في السادس من شباط 2014، أن الأرباح من اشتراكات القراء التي تعتبر المصدر الأساسي لـ«الأرباح الرقمية»، ارتفعت إلى حوالي 149 مليون دولار في العام 2013، أي إلى 36 في المئة عن السنة السابقة. وأشارت إلى أنه في الربع الأخير من العام الماضي، زاد عدد المشتركين في الصحيفة على موقعها الإلكتروني 33 ألفاً، ليصل إجمالي العدد إلى حوالي 760 ألفاً.
وفي هذا الإطار، قال الرئيس التنفيذي للشركة مارك تومبسون في بيان، إنّ «المسار الإعلاني للشركة شهد «الأداء الأفضل خلال ثلاث سنوات». وشرحت الصحيفة في إحدى مقالاتها، أن صناعة الصحف تعاني من انخفاض التداول بالنسخ الورقية، إضافةً إلى انحسار الإعلانات المطبوعة، ما دفع الناشرين إلى رفع سعر النسخة الورقية، كما صبّوا اهتمامهم على خلق «أرباح رقمية» من خلال الاشتراكات والسعي للحصول على أسعار مرتفعة للإعلانات عبر الإنترنت. «الأرباح الرقمية» التي أصبحت أساسية بالنسبة للصحف الغربية، لم تحز بعد على الأهمية ذاتها بالنسبة للمجلات الغربية. فعلى الرغم من أن «اتحاد الناشرين المهنيين» في بريطانيا، كشف مؤخراً في أحد الاستطلاعات، أن «الأرباح الرقمية» للمجلات الغربية الكبرى تضاعفت خلال العام الماضي، إلا أنّه أشار إلى أن الناشرين ما زالوا يعتمدون على بيع النسخ الورقية الذي يمثّل مصدر الربح الأهم سنوياً، بتحقيقه 53 في المئة من الأرباح العامة.
نادين شلق / السفير