الهك في البريّة هذه السنين الأربعين ، ليذلّلك ويمتحنك فيعرف ما في قلبك : هل تحفظ وصاياه أم لا ؟ فذلّلك وأجاعَك وأطعمَك المنّ الذي لم تعرفه أنت ولا عرفه آباؤكَ ، لكي يعلّمك أنه لا بالخبز ِ وحده يحيا الإنسان (….) تث 8 : 2- 3 . وهوّذا يسوع ، سيكثّر الخبز فيما كان الجمعُ الذي تبعه ، هو أيضا ، في الصحراء ( مرقس 6 : 32 ) فريسة الجوع .
إذن ، نرى هنا ، أن السياق مماثل ، ممّا يمكّن المقاربة التي بوسعنا أن نقوم بها بين الخبز الذي يغذي الجسد ، بين كلام الله الذي يغذّي الروح .
يجدرُ بنا أن نعيدَ أيضا قراءة المزمور 78 . إنه يلمّح ، بشكل صريح ، إلى عطيّة المنّ ، ومن ثم السلوى ، في البريّة . وينهي هذا التلميح بالملاحظة التالية : ” أكلوا فشبعوا “، وهي العبارة التي أوردها مرقس 6 : 42 . ومن المعلوم أن هذا المزمور يبتدئ بهذه الكلمات :” أصغ ِ يا شعبي إلى شريعتي ، أمِلْ أذنيكَ إلى أقوال فمي ” . وهكذا نجدُ دومًا ، في الخلفيّة ، الموضوع الكلاسيكيّ الذي يدورُ حول الخبز أو المنّ ، وهو رمز لكلام الله .
كي نفهمَ القصدُ الذي عناهُ مرقس من هذه الرواية ، فلا بدّ لنا من أن نضعها أيضا في السياق الذي يسبقها : بعثة الأثني عشر إلى الرسالة ( 6 : 7 -11) كي يساعدوا المسيح ، فعلى مثاله ، كان عليهم أن ” يكرزوا “، ويطردوا الشياطين ويشفوا المرضى (مر 6 : 12 -13 ). ولدى عودتهم ، أخبروا يسوع ” بكل ما عملوا وعلّموا ” ( 6 : 30 ) . وحينذاك ، أخذهم يسوع إلى الصحراء ، وهناكَ جرى تكثيرُ الأرغفة . وفي الواقع ، ماذا قال يسوع لتلاميذه : “أعطوهم أنتم ليأكلوا ” (6 : 37 ) . وأخذ يسوع بالفعل الأرغفة ، وكسرها وأعطاها للتلاميذ كي يقدّموها للجمع (6 : 41 ) . التلاميذ لم يفعلوا سوى أنّهم واصلوا عمل يسوع . وفي خطّ الروايات السابقة ، يمكننا أن نفهم هنا ، أنّ يسوع يعلّم أولا تلاميذه الاثنى عشر ، وهؤلاء ينقلونَ فقط للجمع التعليم الذب تلقّوه.
بالتالي يرمز الخبز الذي يعطيه يسوع للجمع عبر الرسل ، بالنسبة إلى الإنجيليّ ، إلى كلام الله الذي يجبُ أن يغذّي نفوسهم كما يغذّي الخبز الماديّ أجسادهم . وهذا التفسيرُ الرمزيّ ، يؤكّده أحد المشاهد والذي هو ، مرتبطٌ إرتباطا وثيقا بمشهد تكثير الخبز ، إنه مشهد شفاء إبنة المرأة السوريّة – الفينيقيّة ( مرقس 7 : 24 ) . أليسَ ” خبز ” البنين الذي لا يحسُن أن يُعطى للكلاب ، هو بالتأكيد رمز للتعليم الذي يأتي به يسوع ؟ .
يتبعُ أيضا
زينيت