كل الديانات الكبرى التوحيدية وغير التوحيدية مارست الصوم واعتبرته تقربًا من الله. أظن ان الفكرة في هذا ان محبتك للخالق تقتضي ابتعادك عن الكون المخلوق وأساسه عند الإنسان الطعام.
تريد ان تصبح أنت طعامًا لله اذ تبتغي الاتحاد والابتعاد عن طعام الجسد يبدو للإنسان اقترابًا من طعام الروح ووسيلتاه الصلاة والصوم. فإن كنا في الصلاة نطلب الله يبدو لنا اننا لا نستطيع ان نطلب شيئًا آخر.
وبما ان الطعام تربية لهذا الموجود فينا الذي نسميه الجسد نمسك عنه للانصراف إلى ما هو فوق الجسد ومن هذا الفوق إلى الله. المسيحية قالت بأن المؤمن يأكل جسد المسيح ويشرب دمه لأن الجسد والدم عند العبران هما مظهر الكيان أو بعض منه. أحبب الرب إلهك من كل قلبك جاء في العهد الجديد بعدها ان تأكل جسد ابن الله ولكن هذا الجسد هو في السماء ولا وصول لك إليه.
ان تأكل جسد المسيح أسلوب عبراني يعني ان تأكل المسيح نفسه المنقول إليك في دنياك بوجهين: كلمته والقربان الذي هو نوع من الكلمة. أن تمسك في هذا الموسم عن طعام هو ان تمثل الموت وتاليًا ان تبتغي الحياة والحياة هي المسيح. فالإمساك عن طعام من أجل المسيح لا يغنيك عن هذا الذي قال: “أنا خبز الحياة”. في أعماق نفسك أنت لا تأكل خبزًا، أنت تأكل المسيح اذ المبتغى ان تصبح مسيحًا وهذا ليس عن طريق التشبه ولكن عن طريق الاندماج. الأرثوذكسيون لا يقولون أنت تصبح إلهيًّا. يقولون أنت تصبح إلهًا. ولكن من تلك الألوهة التي ليست منفصلة عن ألوهية السيد. ليس ثمة ألوهيتان. يجب ان تقرأ الروح لتفهم هذا. نحن أهل الروح لنا لغتنا ويجب ان تصبح من الروح لتفهمنا. واذا صمت تصبح من مملكة الروح ولو بدوت جسدًا. المهم ان تعرف انك تجيء من فوق. الذي نزل يبقى من مملكة الرؤية ويتكلم بلغة السماويين.
المهم الا يشدك الجسد إلى أسفل. تبقى في الجسد مستقلاً عنه لأن قلبك في الله والله في قلبك. تصوم لتقتنع بكلام الذي قال: “أنا هو الخبز النازل من السماء”. واذا أخذت شيئًا من غير السماويين تكون ابتلعت الأرض. كل القضية ان نفهم في العمق ان الرب هو ما تأكل وتشرب وان كل شيء آخر رمز. الصوم تاليًا تدريب على ان الرب هو مأكلك ومشربك أي انه اذا أخذته هو يكونك ويجعلك بشرًا سويًا.
تتروض في الصوم ان تعرف انك لا تتكون مما تأخذ ولكن بما تعطي. وبهذا المعنى أأمسكت أم لم تمسك أنت صائم الدهر. أي المؤمن ان الله وحده هو الذي يندمج بك وانك تصبحه. لذلك كان هو في العمق الحبيب الوحيد. أنت صائم الدهر اذا أدركت وأحسست انك لا تدخل الا الله إلى نفسك. هذه هي مرتبة الحب التي تفوق كل معرفة. كيف تصير إلهيًا وأنت بشر هذا هو السؤال الوحيد إلى ان يخطفك ربك إليه في اليوم الأخير ولا ترى إلاّ وجهه. كل ترويض الصوم يعني شيئًا واحدًا ان ترى وجه الله وحده. هذا هو الحب الأخير. عند ذاك لا تسأل عما هو لك وعما هو له. أنت وما عندك وما فيك له. فقط اذا أدركت ذلك تكون صائم الدهر.
النهار