توافر منصة رقمية واحدة يمكّن المشاهد الجاد والباحث المهتم من الوصول إلى الأفلام هو ما نحتاجه اليوم، خصوصاً في ظل الإحتكارات التجارية التي مورست بحق التراث السينمائي العربي والمصري، وتحديداً في السنوات الأخيرة التي أثارت ضجة في الوسط الفني المصري. من هنا، يأتي مشروع «أرشيف الفيلم العربي» بمبادرة من السيناريست والناشط الثقافي الأردني أحمد أمين، الذي يستضيفه فضاء Art Territories في صالة «مكان» في العاصمة الأردنية.
المشروع يعرّف عن نفسه بأنّه «مبادرة مستقلة غير ربحية تهدف إلى نشر وتوفير الموروث السينمائي العربي للعامة لغايات البحوث والعروض غير تجارية الطابع». وبحسب بطاقة المشروع التعريفية، فإنه يرتكز على جمع الأفلام من مختلف المصادر المتاحة وتحويلها رقمياً بعد أرشفتها بناء على المعلومات الإنتاجية لكل فيلم من فريق عمل وممثلين. على أن تتضمن مراحل الأرشفة اللاحقة تصنيف الفيلم بناء على الموضوعات التي يعالجها والشخصيات الرئيسة التي أدّت بطولته، مما يوفر الفرصة لتحقيق أعلى درجات الإفادة للباحثين والمهتمين.
يقدم المشروع محاضرات وسلسلة عروض سينمائية للتعريف بالمبادرة. عروض المجموعة الأولى الخاصة بكلاسيكيات السينما المصرية تستمر حتى السابع من نيسان (أبريل) المقبل. الأفلام الخمسة الأولى التي اختيرت من قائمة أفضل 100 فيلم مصري التي أعدت عام 1996 بعد استفتاء لنقاد السينما المصرية في مناسبة مرور 100 عام على أول فيلم مصري، ستُعرض في اللقاء، بحيث يمثّل كل فيلم حقبة زمنية مختلفة (من ثلاثينات إلى سبعينات القرن الماضي). بدأت الفعاليات بمحاضرة لأحمد أمين عن بدايات السينما المصرية تلاها عرض فيلم «العزيمة» (1939 ــ كتابة وإخراج كمال سليم). واليوم، سيعرض «غزل البنات» (1949 ــ إخراج أنور وجدي)، يليه «شباب امرأة» (24/3 ــ (1956 إخراج صلاح أبو سيف)، و«الحرام» (31/3 ـــ 1965 إخراج هنري بركات). وتختتم مجموعة العروض الأولى بــ «زوجتي والكلب» (7/4 ــ 1971 إخراج سعيد مرزوق). في حوار مع «الأخبار»، يشير أحمد أمين إلى أنّ فكرة المشروع بدأت عام 2011، مع ازدياد مجموعته الخاصة من الأفلام العربية الكلاسيكية والنادرة التي يحرص على توفيرها بشتى الطرق والمصادر المتاحة، حتى تبلورت فكرة إطلاق منصة إلكترونية توفّر قاعدة بيانات سينمائية عربية، وتمكّن الباحث والمتابع من الوصول إلى الأفلام عبر ربط ثيماتها ومواضيعها المشتركة. الموقع الذي لا يزال قيد التطوير حالياً، يضمّ أقساماً كثيرة أبرزها «قائمة الأفلام».
تشمل هذه القائمة الأفلام المتوافرة ومعلوماتها، بالإضافة إلى التصنيف والمصدر والجودة («دي. في. دي»، أو «في. اتش. أس»، أو حتى تسجيل تلفزيوني). أما قسم «برامج العروض»، فسيوفّر مستقبلاً قائمة عروض سينمائية منسقة بحسب مواضيع وثيمات يمكن استخدامها من قبل أي شخص يرغب في إجراء عروض للأفلام. سيوفر الموقع أيضاً فرصة للراغب في التبرع بالأفلام. يعمل أمين أيضاً على مدونة ملحقة بالموقع تحوي أرشيفاً رقمياً للمقالات والمقابلات مع المخرجين والممثلين من مجلات قديمة مثل «الفن السابع» مع إمكانية عمل TAGS لربطها بالأفلام. هكذا، سيتمكن الباحث من إيجاد جميع الأفلام التي تتناول مواضيع معينة، من تمثيلات القضية الفلسطينية في فترة معينة مثلاً وصولاً إلى المقاربات المختلفة لقضايا المثلية الجنسية. بالإضافة إلى ذلك، ستُجمع سيناريوهات الأفلام على الموقع.
يدرك أمين العراقيل القانونية التي قد تواجه المشروع بخصوص توفير نسخ رقمية لأفلام الأرشيف بالتحديد. لكنه لا يخشى المواجهة، ويأمل أن تفتح هذه المبادرة النقاش على مسألة الإحتكار التجاري لتاريخ يؤمن أمين أنه ليس ملكاً تجارياً، بل هو تاريخ ثقافي وحق للناس في الإطلاع عليه. «من المعيب أن يُحتكر التراث السينمائي الكلاسيكي تجارياً» يقول. هو محق بلا شك، فمن يضمن أن تخرج كلّ هذه الأفلام إلى الضوء؟ ومن يضمن أنّ الرقابة لن تمسّ مشهداً من هذه الأعمال؟ لذا، يحبذ فكرة توفير الفيلم بنسخ رقمية من أكثر من مصدر، حيث يتم تحويل الأفلام إلى صيغ رقمية ذات حجم مناسب وجودة عالية بالشكل الذي يضمن مراعاة سياسات الإستغلال غير التجاري العادل.
ولدى رغبة أحد في عرض هذه الأفلام، ينبغي له توقيع ورقة تنصّ على عدم استخدام هذه الأفلام في عروض تجارية والمحافظة على سياسة الاستخدام العادل. يعمل أمين على توسيع المشروع بجهد جماعي، ويأمل بتوسيع الفكرة لبناء شبكة كاملة حول العالم العربي تُعنى بجمع مختلف المعلومات عن هذه الأفلام لتأسيس قاعدة رقمية بحثية متكاملة.
يزن الأشقر / الأخبار