في 18 حزيران 2013، أطلّ المذيع بلال رزق على فضائية «الناس» السلفية (أغلقتها السلطات المصرية بعد 30 يونيو)، يطالب جماعة «الإخوان المسلمين» بشراء كلاب بوليسيّة مدرّبة، لتقوم بنهش أجساد متظاهري «30 يونيو». ما قام به رزق مجرد مثال لعشرات السقطات الإعلامية في مصر، ما بعد ثورة 25 يناير. بات من العادي أن يظهر أحد الضيوف على شاشات الفضائيات يسب ويشتم خصومه، أو يدلي بخطاب تحريضي واضح. أحدث تلك السقطات ما قام به تامر أمين على «روتانا مصرية»، إثر التحرش الجماعي بطالبة في جامعة القاهرة، في 17 آذار الحالي. اتهم أمين الضحيّة بأنّها سبب ما حصل لها، لأنّها كانت ترتدي «ملابس رقّاصات، وشراشيح» (راجع «السفير» 19/3/2014).
«شراشيح» تامر أمين، ومن قبلها «كلاب» بلال رزق، تؤكد أن مصر في حاجة حقيقية لميثاق شرف إعلامي، ينظم الأداء على الشاشات، ويعيد لوسائل الإعلام المصري ما فقدته من مهنيّة. ورغم أن المشير عبد الفتاح السيسي أكد في خطاب عزل مرسي، أن خريطة الطريق تتضمن «وضع ميثاق شرف إعلامي، يكفل حرية الإعلام ويحقِّق القواعد المهنية والمصداقية وإعلاء المصلحة العليا للوطن»، إلا أنّ ذلك لم يحصل حتى الآن.
منذ أيام قليلة، أعلن رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب في مؤتمر صحافي، أّن ميثاق الشرف الإعلامي سيصدر قريباً لكنّه لم يعلن عن الآليات التي سيتمّ بها ذلك.. آخر تحديث لميثاق الشرف الصحافي المصري، جاء بعدما وافق المجلس الأعلى للصحافة على إصداره بتاريخ 26 آذار/ مارس العام 1998. ويرى مراقبون مصريّون، أنّ ذلك الميثاق لم يعد مناسباً للعصر الحالي لأسباب عدّة، منها أنّ إقراره تمّ في عهد مبارك، وبقيادة رئيس مجلس شورى لا علاقة له بالصحافة، وينتمي للحزب الوطني الحاكم وقتها. ذلك ما يجعله ميثاق خرج في عهد سلطة حاكمة مستبدة، والأهم أنه لم يشمل وسائل الإعلام الجديدة.
تؤكد عبير سعدي، عضو مجلس نقابة الصحافيين، أنّ مصر في حاجة ملحة لميثاق شرف إعلامي يضبط الأمور. وتضيف أنّ «من يجب أن يكتب ذلك الميثاق، هي لجنة مشكلة من صفوة الصحافيين المصريين حتى نضمن ميثاقاً ينظم المهنة، وفي نفس الوقت لا يصنع قيوداً على حرية التعبير». يتفق مع سعدي الكاتب حلمي النمنم، ويقول لـ«السفير» إنّ مصر «بحاجة لميثاق شرف إعلامي حقيقي، لأن الأمور أصبحت فوضى», ويضيف: «قرأت تحقيقاً صحافياً من أربع صفحات في إحدى الصحف بعد الثورة، عن المغامرات الجنسية للرئيس مبارك، لم يحتوِ على معلومة واحدة موثقة، ونشرت أسماء لسيدات ادّعت الصحيفة أنهن على علاقة بالمخلوع، من دون أدلّة، وتلك جريمة حقيقية تشوّه سمعة الناس وتعرضهم للخطر.. فإذا لم يكن هذا هو الوقت لإصدار ميثاق شرف فمتى يتم ذلك؟».
من جهته، يرى أحمد أبو القاسم، سكرتير عام نقابة الصحافيين الالكترونيين في مصر، أنّ الميثاق ضروري لحفظ حقوق وواجبات الجميع. يقول: «الإشكالية القائمة أن هناك ميثاق تاريخي لا يعبّر عن الواقع الجديد الذي نعيشه ولا يضم وسائل الإعلام الجديد، الكل يجتمع ويناقش مواد بديهية مثل عدم نشر شائعات أو أكاذيب أو تشهير بأحد، ولكن لم يقل لنا أحد منهم ما هي الوسيلة أو الآلية لحساب كل مخطئ». برأيه، «يجب وضع ميثاق شرف متكامل يشارك فيه الصحافيون والإعلاميون، ومالكو وسائل الإعلام، والأكاديميون والدولة، ويتمّ طرحه للحوار المجتمعي الحقيقي». ويضيف: «نحتاج إلى إطار زمني محدَّد لوضع ميثاق الشرف، حتى لا ندخل في دوامة مثل التي نعيشها.. اجتماعات نقاشات ندوات ثم لا شيء.. وللأسف لا أحد يدرك أن الوقت يداهمنا ومصداقيتنا على المحك، ميثاق الشرف ليس رفاهية أو شيئاً شكلياً ولكنه ضرورة ملحة».
مصطفى فتحي / السفير