اسبانيا على مدى يومين، احتضن أحد الفنادق البيروتية ورشة تمحورت حول «الصحافة الثقافية». المشاركون الأجانب واللبنانيون استعرضوا تجاربهم، والتقوا عند المأزق الذي تعيشه المهنة والتحديات التي يطرحها زمن الإعلام الجديد.
لطالما طُرحت الإشكاليات المتعلقة بالصحافة الثقافية على طاولة البحث والتشريح. قبل أيام، احتضنت بيروت ندوة عن الصحافة الثقافية بمبادرة من «سكايز» (عيون سمير قصير) و«المركز العالمي للصحافة والديموقراطية» بإشراف الاتحاد الأوروبي. الورشة التي أضاءت على الصحافة الثقافية في العالمين العربي والغربي، طرحت تحدّياتها في زمن الإعلام الجديد. إلا أنّها شكلت منبراً لم يستطع الخروج من الترويج الخاص لكلّ مؤسسة قدمت إسهاماً فيها. مع ذلك، فقد زخرت بتجارب الصحافيين الأجانب الآتين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. تجارب تختلف في طريقة مقاربتها للمواضيع الثقافية المنشورة عن تلك المتبعة في بلادنا، إلا أنّها تتشاطر الهمّ نفسه في مأزق هذه الصحافة ومكانتها لدى الجمهور.
الجلسة الأولى جمعت ثلاث صحف محلية وإقليمية، وأدارتها رئيسة «مؤسسة سمير قصير» جيزيل خوري. الماضي «الجميل» استدعاه مدير «ملحق النهار» الثقافي الشاعر عقل العويط في مداخلته التي استعرضت تجربة «الملحق» في الستينيات الذي احتضن فورة المدينة الفكرية، وشكّل «متنفساً للمثقفين السوريين». كانت كلمة «الحرية» الأكثر تكراراً على لسان العويط، الذي أشار إلى أنّ تجربة الملحق التي امتدت من فلسطين الى المغرب العربي، انحسرت مع فورة الإعلام الجديد. أما الصحافي والشاعر اسكندر حبش من «السفير»، فقد ميّز بين الأمس واليوم، وخصوصاً مع النفضة التي شهدتها الصحيفة الأربعينية من تقليص مقالات وتجديد لموقعها الإلكتروني. ميّز حبش بين «الملحق الثقافي» ذي الطابع الجدي، وبين الصفحة اليومية. كلام ولّد سؤالاً حول ما إذا كانت الصفحات الثقافية «الضحية الأولى» للأزمات الاقتصادية. كان الجواب بالنفي مع محافظة الصحيفة العريقة على المستوى عينه منذ انطلاقتها، بل تصدّر بعض مقالاتها الثقافية الصفحة الأولى. من جهتها، دعت الصحافية بيسان الشيخ (جريدة «الحياة») الى تحويل أي حادثة منع لكتاب أو لفيلم الى «قضية رأي عام». تطرقت هذه الجلسة أيضاً إلى مواضيع متعلقة بالثقافة والجمهور والفن، وصولاً الى الدين الذي اعتبره حبش «الانهيار الأخلاقي الأول في العالم» مع تفشي نماذج «داعش» وأخواتها.
لاحقاً، استعرض الصحافيون الأجانب تجاربهم في مقاربة المواضيع الثقافية والمعايير في بلدهم. جاك مورغان (إذاعة «تكساس» الرسمية) كان شديد الحماسة لعرض تقاريره المقتضبة عن أهل الثقافة. يتبنّى الصحافي الأميركي زاوية إيجابية في النظر إلى القضايا الثقافية والإضاءة على تفاصيل لم يتنبّه لها الآخرون» مثل «المهمشين المحتاجين الى منبر لإيصال أفكارهم».
ومن التجارب الإذاعية الى التمييز في التغطيات بين أخبار المشاهير، والأخرى المتعلقة بالثقافة مع الصحافية جينان براونل. لكنّ النقاش جنح الى مواضيع أخرى؛ أبرزها الإشكالية بين العمل الصحافي والعلاقات العامة التي تمثل «العدو والصديق» في الوقت عينه.
المقارنة بين الواقعين العربي والغربي بيّنت ـــ بحسب ما أوردت كاترين بويل (واشنطن بوست) ــ اهتمام الولايات المتحدة بالشأن الثقافي وتخصيصها ميزانية تتعدى خمسة مليارات في شقّي «المتاحف والمؤسسات الثقافية» لتصل إلى 130 مليار دولار، الى شؤون الموضة والمعارض. في هذه الجلسة، فتحت بويل نوافذ جديدة على العمل في الصحافة الثقافية؛ منها المتعلق بالتكنولوجيا وتأثيرها على الفن أو إدخال السياسة بطرق غير مباشرة الى عالم الأزياء، كما فعلت زوجة الرئيس الأميركي ميشال أوباما أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية.
«تحديات وآفاق الصحافة الثقافية» كان عنوان الجلسة الختامية التي ضمّت تجارب من الصحافة المتخصصة (المفكرة الثقافية) وصحيفة «لوريان لو جور»، وأضاءت على هاتين المطبوعتين وتجربتهما مع وسائل التطور الحديث، والمنافسة بينهما وبين المدونات وغيرها. في المحصلة، كان هناك اتكاء كبير على وسائل التواصل الحديث للترويج. كما دعا المشاركون المعلِن إلى دخول عالم الويب والاستثمار في هذه الصفحات وعدم الاكتفاء بالمطبوعة الورقية كما هي حال «المفكرة».
بعد استعراض هذه الجلسات التي أفلح بعضها في فتح آفاق جديدة للنقاش، وبعضها الآخر راوح مكانه، ترتسم أسئلة عدة: أي حرية فعلية في مؤسسات خاضعة لرأسمال يحدّد وحده الخطوط الحمر ويرسم هامش الحرية المسموح به؟ وإلى مدى تقدر مؤسسة مثل «سكايز» أن تكون على مسافة واحدة من كل القوى السياسية في لبنان حتى تستطيع لعب دورها في الدفاع عن الحريات بتجرّد وبفعالية وبهمّة الوحدة الوطنية؟ القائمون على المركز هم جزء من طرف أيديولوجي وسياسي بحكم تمويلهم، فهل يستطيعون الدفاع عن حريتنا كلنا؟ والأهم، هل أصبح الدفاع عن الحريات «موضة مربحة» للجهات المموّلة التي فرضت أجندتها الخاصة على الورشة، أكان من حيث هوية بعض الضيوف (أجانب ومحليون) أم المواضيع، مع تجاهل تام (أو جهل؟) لسيرورة الصحافة الثقافية في لبنان خلال العقد الماضي؟
زينب حاوي / الأخبار