«أنقذوا اليد العاملة اللبنانية، وأنقذوا الشباب اللبناني من الهجرة» نداء أطلقه رئيس مؤسسة «لابورا» الأب طوني خضرا، خصوصاً وأنّ اليد العاملة اللبنانية العاطلة عن العمل تخطّت الـ 440 ألفاً. وكشف لـ»الجمهورية» أنّ هذه الأعداد تضاهي حجم اليد العاملة السورية الباحثة عن عمل، والمؤسف انّ حظوظ السوريين بالتوظيف أكبر لأنّ رواتبهم أقلّ بكثير. واعتبر انّ الخطورة اليوم تكمن في منافسة اليد العاملة السورية المتخصصة لليد العاملة اللبنانية.
في خلال اسبوع، أصدر وزير العمل سجعان قزي تعميمين طالب فيهما «بوجوب استخدام اليد العاملة اللبنانية وعدم استبدالها بالعمّال الاجانب». وأوعز قزي الى جهاز التفتيش في كل دائرة، بإجراء جَولات تفتيش يومية لمتابعة المؤسسات والشركات المخالفة على الاراضي اللبنانية كافة وملاحقتها. واستند وزير العمل الى «التقارير الخطيرة التي تتحدث عن الأعداد الهائلة للنازحين من سوريا، والذين في غالبيتهم من الشباب.
ومنعاً لمزاحمة اليد العاملة اللبنانية وقطعاً للطريق على بعض المؤسسات اللبنانية التي تفضّل اليد العاملة الاجنبية على اللبنانية لتدنّي رواتبها، ومن منطلق حرصه على الحفاظ على اليد العاملة اللبنانية».
وفي هذا السياق، قال رئيس مؤسسة «لابورا» الاب طوني خضرا: «سبقَ وحذّرنا من العمالة السورية نظراً لخطورتها». ففي حين يرى البعض انّ تشغيل اليد العاملة السورية أفضل للاقتصاد وللحركة الاستثمارية في البلد، نوضِح انّ السوريين لم يعودوا يعملون فقط في قطاع البناء والورش والاهتمام بالحدائق.
في مؤسسة «لابورا» تلقّينا حتى اليوم أكثر من 70 طلب توظيف لأطبّاء سوريين من ذوي الخبرة والاختصاص وكانوا، في غالبيتهم، يعملون في مستشفيات حلب، وهم يطالبون بالعمل في المستشفيات ولا يمانعون من العمل كمساعدين للأطبّاء اللبنانيين ولا يهمّهم الراتب على قدر ما يريدون مدخولاً للعيش. وإذ شدّد الاب خضرا على أنّ مؤسسة «لابورا» لا توظّف غير اللبنانيين، لفتَ الى انّ كثيراً من السوريين يقصدون المؤسسة طلباً للمساعدة.
وحذّر من انّ الخطير اليوم في واقع العمالة اللبنانية انّ النازحين السوريين ليسوا بعد عمّال ورش بناء انما يجتاحون كل القطاعات وكل التخصصات، من الهندسة الى الطب الى القطاع الفندقي والمطاعم، وفي حال لم يتمّ تطبيق القانون في أسرع وقت ممكن، فنحن ذاهبون الى كارثة اجتماعية، وانفجار اجتماعي كبير، لأنّ فرَص عمل اللبنانيين تتقلّص نتيجة المزاحمة من العمالة السورية الأقلّ كلفة.
والمعادلة تصبح كالآتي: بتوظيف السوريين تقلّ كلفة الانتاج لأنّ كلفة تشغيل السوريين أقلّ ورواتبهم أقلّ. وتالياً، سيزيد ربح أصحاب المؤسسات والشركات، وبالنتيجة فإنّ الاغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقراً.
إزاء هذا الواقع، ناشدَ الاب خضرا الحكومة الإسراع في تطبيق قانون العمل اللبناني حماية لليد العاملة اللبنانية، ولا سيما في البند الذي يمنع تشغيل اليد العاملة الأجنبية في المهن التي في إمكان اللبنانيين وأهل البلد القيام بها، ولا سيما القطاعات التي نشتهر بها وبجودة تقديماتها لأنها تمثّل هوية البلد، مثل القطاع الفندقي والمطعمي والسياحي، والتجارة والطبابة والخدمات.
وكشف أنّ نسبة البطالة في لبنان عام 2012 كانت 27 في المئة، وسُجّلت ضمنها النسبة الاعلى للبطالة في صفوف الشباب والتي بلغت 27 في المئة للأعمار بين 20 و30 سنة، في حين بلغت 4 في المئة للأعمار ما بين الـ 50 والـ 60 سنة.
عام 2013 ارتفعت نسبة البطالة في لبنان الى 31 في المئة، وقد سجلت ضمنها أيضاً أعلى نسبة بطالة في صفوف الشباب لتبلغ 60 في المئة للأعمار التي تتراوح بين 20 و30 سنة.
في الأرقام، سجّل عام 2013 نحو 440 ألف عاطل عن العمل، أي انهم لم يجدوا عملاً نهائياً. في العام نفسه سجّل 26 الف متخرّج من الجامعات والمعاهد، 8000 متخرّج منهم استوعبهم سوق العمل اللبناني، 6000 متخرج وجدوا عملاً في الدول الخليجية وأوروبا، ويبقى 12000 متخرج عاطلين عن العمل.
اللافت أنه في مقابل 440 ألف لبناني عاطل عن العمل عام 2013، هناك 480 الف يد عاملة سورية في لبنان من صفوف الشباب جاهزة للعمل في لبنان، وهي لم تجد عملاً بعد، بما معناه انّ الـ 480 الف سوري الباحثين عن عمل يمكن بسهولة أن يحلّوا مكان 440 الف لبناني عاطلين عن العمل. لذا، يجب التنبّه الى خطورة هذا الواقع.
وتابع: حتى الان لا إحصاءات جاهزة عن العام 2014، لكن المشكلة بالتأكيد أخطر، وأرقام البطالة الى ارتفاع، بسبب وجود نصف مليون عامل سوري يفتشون عن عمل في السوق اللبناني. في لبنان اليوم نحو 400 الف لبناني لا يعملون تتراوح أعمارهم ما بين 20 و64 سنة.
يضاف اليهم، بعد حوالى الشهرين والنصف، 28 ألف متخرج لبناني جديد سينضمون الى العاطلين عن العمل. تجاه هذا الواقع، نناشِد الحكومة التحرّك سريعاً لإيجاد حلّ لهذه المخاطر، ونوجّه اليها نداءً: «أنقذي اليد العاملة اللبنانية، وأنقذي الشباب من هجرة لم يشهد لها لبنان مثيلاً».
ولفتَ، رداً على سؤال، الى انّ الرواتب بين اللبنانيين والسوريين تتفاوت بشكل ملحوظ، فما العمل أمام طبيب جرّاح سوري متخرّج من جامعات اميركية أو اوروبية يطالب بالعمل كمساعد لطبيب لبناني ويقبل براتب 120 دولاراً؟ كيف يمكن منافسة عروض العمل هذه؟
وتابع: انّ المشكلة التي لا يعيها أصحاب الشركات او المؤسسات او الدولة جرّاء التساهل في هذا الموضوع، انّ الاموال التي يتقاضاها العامل السوري من ربّ العمل اللبناني على رغم حجمها الضئيل، لا يصرف منها شيئاً في لبنان ولا حتى لشراء الخبز، لأنه يأتي به من سوريا أو يستفيد من المساعدات هنا، وكلّ راتبه يحوّل الى ذويه في سوريا.
وفي عملية حسابية صغيرة، لَو فرضنا انّ هناك 400 الف عامل سوري يتقاضى كلّ واحد منهم راتب 30 دولاراً يومياً، لتَبيّنَ لنا أن 12 مليون دولار تُقبض يومياً من موازنة الشعب اللبناني واقتصاده وتذهب عدّاً ونقداً الى السوريين وذويهم في سوريا ولا تمرّ في السوق اللبناني. وهنا يظهر الفارق بين توظيف السوري وتوظيف اللبناني، الذي على رغم ارتفاع راتبه عن راتب السوري، الّا انه يصرف أمواله في لبنان ويخلق حركة اقتصادية تستفيد منها مختلف القطاعات الأخرى.
تعاميم «العمل»
ورداً على سؤال عن التعاميم التي أصدرها وزير العمل أخيراً، والتي حظّر فيها استخدام النازحين ومدى فاعليتها وجدية تعاطي أرباب العمل اللبنانيين معها، قال: نحن لا نشكّ أبداً باندفاع الوزراء للحدّ من تفاقم هذه المشكلة، لكن تطبيق القوانين يتطلّب مفتشين ومراقبين على الأرض، فهل لدى وزارة العمل القدرة والامكانية للتفتيش والمراقبة؟ نحن مستعدون لنقل مئات الشكاوى من هذا القبيل، خصوصاً وأننا منذ فترة نتلقى في «لابورا» طلبات توظيف من لبنانيين صرفوا من العمل، ونناشد وزارة العمل وضع آلية واضحة لمعالجة هذا الملف بجدية.
وأسف الأب خضرا لانتشار العمالة السورية في كل الوظائف من الهندسة الى الطبابة الى التمريض الى فتح محل خاص بالنازح السوري، الى المطاعم حيث بات قسما المحاسبة والخدمة في يد السوريين. وهنا يجب التذكير أنّ المغتربين اللبنانيين وأرباب العمل الخليجيين يقصدون لبنان لجودة اليد العاملة اللبنانية وطريقة استقبال اللبنانيين وفنّهم وذوقهم.
فالمطاعم التي استبدلت اليد العاملة اللبنانية باليد العاملة السورية تنفرّ اللبنانيين وتلجم وجودهم في هذه الاماكن.
إيفا ابي حيدر / الجمهورية