بين عامي 2012 و2013، نشرت الجرائد اللبنانية 1279 مقالة تتعلّق بمواضيع صحيّة. نقلت 961 مقالةً أحداثاً تتعلٌق بالصحة (افتتاح مركز صحّي، إطلاق حملة صحيّة…)، بينما استخدمت 318 مقالة فقط، البراهين العمليّة. تنوّعت تلك البراهين بين آراء خبراء، وبين دراسات وتقارير صادرة عن مؤسسات عامة، وبين وثائق ومستندات رسمية، ودراسات صادرة عن مراكز ومعاهد أكاديمية، ودراسات عن منظمات غير حكومية ومجتمع مدني ومنظمات دولية، وعن ندوات ومؤتمرات، ومصادر عن صحف أجنبية، ومقابلات مع العامة، وبين دراسات صادرة عن شركات استشارية، وبرامج تلفزيونية.
شكّل التمويل الصحّي الموضوع الأكثر تكراراً، بينما توزّعت المواضيع المتكرّرة الأخرى بين خدمات الرعاية الصحيّة الطبيّة، والإدمان على المخدرات، والتغطية الصحيّة الشاملة، وقانون منع التدخين، ونظام الضمان الاجتماعي للمتقاعدين، وحقوق المعوقين. وبيّنت نتائج تحليل الصحافة الصحيّة، وفق المعايير المستخدمة لتقويم نوعية المقالات، بأن معدّل التزام المقالات الصحافية المتعلقة بالصحة بالمعايير العلمية الأكاديمية بلغ 3.6 على 11، وهو معدّل متدن.
وردت تلك الأرقام في دراسة أجراها مدير مركز Knowledge to policy K2P، في كلية العلوم الصحيّة في «الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور فادي الجردلي. وتمّ عرض نتائج تلك الدراسة، خلال ورشة عمل نظمها المركز، الأربعاء الماضي، حول دور الإعلام في استخدام البراهين العلمية للتأثير في السياسات العامة، بمشاركة صحافيين من وسائل إعلام مختلفة.
تشكّل المعطيات العلميّة الناتجة من بحوث أكاديمية موثوقة، وفق الجردلي، أداة قوية للدفاع عن القضايا الاجتماعية والصحيّة والاقتصادية والبيئية، ويشكّل الإعلام وسيلة لترجمة معطيات البحوث على مستوى السياسات العامة وممارسات الأطباء والمرضى.
تبيّن دراسة أخرى للمركز، لم تنشر بعد، أنّ أثر الإعلام في صنع السياسات العامة في لبنان محدود. أجرت الدراسة الطالبات في «كلية العلوم الصحيّة في الأميركية» فرح السيد، وعلا قدوح، وهالة رشيدي، وارتكزت على مقابلات مع صحافيين، وباحثين علميين، وصانعي قرار. اتفق المشاركون في الدراسة على أنّ وسائل الإعلام تشكّل أداة مؤثّرة في صناعة القرار، من دون أن يُستثمر دورها بشكل كاف. وارتكزت أسباب تعثّر الإعلام في التأثير في السياسات العامة، وفق الصحافيين، على نقص استخدام الأدلة والشواهد العلمية، وعلى الانتقائية في اختيار المواضيع. بينما أعاد الباحثون الأمر إلى التردّد في التواصل مع وسائل الإعلام وضعف مهارات التواصل، وحواجز اللغة، وقلة الثقة والوقت. وكشف صانعو القرار عن قلة ثقة في جودة التقارير الصحافية التي لا تستخدم لغة وبيّنات علميّة، من دون وجود منهجية محدّدة في صناعة السياسات العامة والاكتفاء بردات الفعل.
تعود العوامل التي تعيق استخدام الأدلة العلمية في الصحافة الصحيّة، وفق نتائج الدراسة، إلى عدم وجود صحافة صحية متخصصة ومحترفة في لبنان، إلى جانب محدودية الوقت، وصعوبة الوصول إلى الأدلّة، وضعف وسائل التواصل بين الباحثين والمؤسسات البحثية والإعلام، وقلة الأبحاث المنشورة المتعلقّة بالأنظمة الصحيّة المحليّة. في المقابل، تعزّز العلاقات الشخصية مع الباحثين والاستعانة بخبراء متخصصين وتوافر مواد موجزة عن المواضيع المطروحة استخدام المعطيات العلمية في الصحافة الصحيّة.
وترتكز سبل دعم الصحافة الصحيّة بالبراهين العلمية على تخصيص مساحات للصحافة الصحيّة في وسائل الإعلام، وتدريب الصحافيين على استخدام الأدلة والشواهد، وتعزيز التواصل بين الباحثين ووسائل الإعلام.
ويهدف مركز K2P إلى دعم دور الإعلام في صناعة السياسات العامة، من خلال توفير المواد العلمية المتعلقّة بالمسائل المطروحة، وتزويد الصحافيين بالدراسات والأرقام، وبناء القدرات، وتعزيز مفهوم السياسات العامة المستندة إلى البراهين العلمية.
ملاك مكي / السفير