قبل أيّام، احتفلت «سكاي نيوز عربية» بمرور عامين على انطلاقتها، في القاهرة، معلنةً توسيع نشاطها الإخباري في مصر، استعداداً لمواكبة الانتخابات الرئاسيّة المصريّة. منذ انطلاقتها، بحثت القناة عن التميز، بدءاً من شعارها الأساسي «أفق جديد»، في مقابل شعاري «الرأي والرأي الآخر» («الجزيرة»)، و«أن تعرف أكثر»(«العربية»). ويأتي شعار سكاي نيوز عربية إشارةً مقصودة إلى محاولتها الخروج من «أفق قديم»، حدّدته الفضائيّات العربيّة الإخباريّة خلال العقد الماضي.
خلال عامين، قدّمت القناة نمطاً مختلفاً، أمّن لها موقعاً منافساً بين القنوات الإخبارية العربية. وكان بثها قد انطلق في أيار/ مايو 2012، من أبوظبي، في شراكة بين شركة «أبوظبي للاستثمار الإعلامي» و«مؤسسة سكاي نيوز» البريطانيّة التي أنشأها ويمتلك الحصة الأكبر من أسهمها روبرت مردوخ، إمبراطور الإعلام المعروف.
تستخدم «سكاي» اللون الأزرق الأكثر قبولاً على الشاشة، حسب دراسات إعلاميّة عدّة، وتشاركها «الجزيرة» وفضائيات أخرى في ذلك. ولكن «سكاي» تقوم بدمجه بشكل مدروس مع الأحمر، لتكوّن هويتها البصرية مستندةً إلى تقنية الوضوح العالي HD، ووسامة كوادرها الظاهرة. وتتابع القناة كافّة التفاصيل المتعلّقة بجودة الصورة، ومنها حصر استخدام التسجيلات المأخوذة من الإنترنت بذات الجودة العالية، وتقليص المساحة المخصصة لها ضمن نشرات الأخبار قدر الإمكان مقارنة بالفضائيات الأخرى. لكن ذلك، وعلى أهميته الكبيرة، ليس سوى الجزء المتعلق بالشكل…
فيما يخص المضمون، فإنّ مراجعة سريعة للحدث الإخباري الأبرز عربياً خلال العامين الماضيين، ونقصد الحدث السوري، ستسمح لنا بالوصول إلى بعض الخلاصات حول العقلية التي أدارت المحطة. تضع «سكاي نيوز عربيّة» تغطيتها للأحداث السورية تحت عنوان عام هو «الحرب في سوريا»، في مقابل « سوريا الثورة» («العربيّة»)، و«سوريا مسار الثورة» («الجزيرة»). وبذلك فإنّها تتجاوز الامتحان الأوّل الذي فرضه تاريخ انطلاقها. ففي أواسط العام 2012، كان الانقسام ضمن الإعلام العربي وحتى العالمي قد غدا واضحاً حول الشأن السوري. وكانت أيّ محطة جديدة مهدّدة بالدخول ضمن التصنيف العام بين «مؤيد» و«معارض» للنظام السوري، أو بين «مؤامرة» و«ثورة»، عند أوّل تحيز تظهره لأي من طرفي الصراع، وبذلك تكون قد فقدت فرصتها في التأثير على قسم مهم من العينة المستهدفة، وهو ما جهدت «سكاي نيوز عربيّة» في تجنبه، منذ ساعات بثها الأولى.
تتابع المحطة عرض قاموسها الخاص للاصطلاحات، فتستخدم «الجيش السوري» أو «القوات الحكوميَّة» أو «القوَّات السوريَّة»، مقابل استخدام «الجزيرة»، و«العربية» لمصطلحات من قبيل «قوات الأسد»، و«جيش النظام»، و«قوات النظام»، وتلتزم بهذه المصطلحات في مختلف برامجها وتقاريرها ونشراتها، ما يؤكد الحرص الشديد على الابتعاد عن أيّ تصنيف مسبق.
إنّ الاختيار الدقيق والمدروس لقاموس الاصطلاحات glossary of terms يعدّ واحدةً من أهم القضايا التي تعنى بها وسائل الإعلام المختلفة. فاختيار مصطلح من دون آخر للتعبير عن قضية محدّدة، إنما يتضمّن موقف الوسيلة الإعلامية من تلك القضية. فهو الخطوة الأولى في عملية «التأطير الإعلامي»، والتي تعني ببساطة صياغة الأخبار بما يخدم سياسة الوسيلة وأهدافها. وإذا كانت الاصطلاحات هي الخطوة الأولى فإن خطوات عدّة ومعقدة تليها، فهنالك الصياغة الصورية للخبر (الصور المرافقة أو الخلفية) وهناك نبرة صوت المذيع وملامحه وترتيب الخبر ضمن النشرة والمساحة الزمنية التي يمتدّ عليها، واختيار المعلّقين عليه، والمساحات المتباينة المعطاة لهم بما يبرز آراء أطراف سياسية معينة على حساب أطراف أخرى، ويعتم نهائياً على أطراف ثالثة،…
لذلك فإنّ حياد قاموس «سكاي نيوز عربيّة»، سرعان ما يسقط إذا ما أدخلنا في التحليل أدوات التأطير الأخرى. فإذا كان حياد المصطلحات يفتح الباب أمام استهداف أسهل لكتلة أوسع من المشاهدين، فإنّ إيصال الرسائل المطلوبة يصبح أكثر حرفيةً وأصعب منالاً. أفضل مدخل لاكتشاف تلك الرسائل هو البحث لا عمّا تقدمه الوسيلة بل عمّا لا تقدمه، وبعبارة أخرى البحث عن قائمة المحظورات التي يجري اختزالها آلياً وحذفها… سنجد ضمن قائمة «سكاي نيوز عربيّة» للمحظورات حذفاً كاملاً لأية أخبار عن احتجاجات داخل السعودية، وحذفاً جزئياً لاحتجاجات البحرين. سنجد أيضاً حذفاً لأصوات معتدلة في المعارضة السورية لصالح الأصوات المتطرفة. على المستوى الدولي لن يكون من الصعب ملاحظة المحاولات الجادة لإخفاء النازيين الجدد في أوكرانيا، أو تقليل وزنهم تزامناً مع الهجوم المستمر على روسيا ومواقفها، والوقوف الحازم إلى جانب واشنطن والاتحاد الأوروبي، وسنلاحظ في النشرات الاقتصادية تناولاً غير جاد لأزمات الغرب الاقتصادية الخانقة…
إضافةً إلى قائمة المحظورات يمكننا الوقوف قليلاً عند التعابير المراوغة الدارجة من قبيل «ما يسمّى»، أو «ما يسمّيه البعض». فهذا النوع من التعابير يسمح للمحطة بالخروج «الحيادي» من قاموسها. فنرى مثلاً في تقرير نشرته قبل أيام عن تحضيرات هدنة حمص استخداماً ذكياً حين يمرّر التقرير عبارة «أيقونة الثورة السوريّة، كما تسميها المعارضة»، والمقصود حمص. فعبارة كهذه نافلة ضمن السياق الخبري ولكنها ليست كذلك فيما يخص الرسالة التي ترسلها القناة، فهي تحمل شحنة واضحة وتوجهاً واضحاً…
بالمجمل فإنّ «سكاي نيوز عربية» تميّزت خلال عامين، لكنّها حلّقت ضمن السرب الغربي ذاته الذي تحلق ضمنه «العربية»، و«الجزيرة»، و«بي بي سي»، و«الحرة»، وغيرها الكثير…
مأمون الحاج / السفير