على مدى نحو 33 عاماً، اجتهد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، في فرض صوته وصورته على المجال العام، وعدم السماح لغيرهما بالظهور والحضور. ولتأكيد هذا الاحتكار، أصرّ على قطع الطريق أمام إقرار أي قانون قد يسمح بإنشاء قنوات أهلية أو حزبية، أو إذاعات خاصة.
رفض رفضاً قاطعاً عروضاً قدّمتها إذاعتا «لندن» و«مونتي كارلو» لإنشاء قواعد لهما على الأراضي اليمنية، تسمح بإعادة بث برامجهما بصيغة «أف. أم»، على غرار ما حدث في دول مجاورة لليمن، لكن اليوم، يبدو أن الوضع تغيّر، إذ التحقت البلاد أخيراً برحلة العودة إلى زمن الأثير! مباشرة بعد سحب كرسي الحكم من تحته، قرّر صالح إنشاء إذاعة وقناة خاصتين به، متناسياً أنّه لم يسمح بإقرار قانون ينظم إنشاء مؤسسات إعلامية مشابهة عندما كان «سلطاناً» على اليمن. كيف لا وصالح فوق القوانين، خصوصاً في ظل غرق البلاد في ضباب «ربيعها» وتبعاته، وتخلي وزارة الإعلام عن دورها في المساءلة؟ وبناءً عليه، استطاع الرئيس السابق إنشاء فضائية «اليمن اليوم» التي تحرص في نشراتها على عرض برقيات التهاني والتعازي التي يبعثها «الزعيم» (لقب صالح الجديد)، قبل الانتقال إلى الأخبار التالية. إلى جانب هذه المحطة، ولدت إذاعة «يمن أف. أم» المختصة بأخبار «الزعيم» أيضاً، إضافة إلى بعض البرامج الاجتماعية التي تسمح بتمرير تهاني وتحيات «الجماهير» لـ«سعادته». لكن يمكن القول إن هذه الإذاعة استطاعت تثبيت حضورها وفرض إيقاع مختلف وانفتاحي، مغاير لما اعتاده اليمنيون، معتمدة على طاقم فني وإعلامي تغلب عليه الكوادر اللبنانية. وبالتالي، أصبحت مسموعة بقوة في أوساط اليمنيين.
لم يمر وقت طويل، حتى ظهرت إذاعة أخرى هي «يمن تايمز»، التي تعدّ تابعة لمؤسسة تحمل الاسم نفسه، وكانت اسماً لأوّل جريدة محلية تصدر بالإنكليزية في اليمن. الأغاني تحتل المساحة الأكبر من زمن البث على هذه الاذاعة، مع برامج تهتم بالجانبين الديني والاجتماعي. ولا تنكر «يمن تايمز» أنّ بعض برامجها تُنتج بالتعاون وبدعم من حلفاء سابقين بارزين لحكم صالح، ما زالوا في مناصب رسمية بعد «الربيع». بعد «يمن تايمز»، وصلت إذاعة «حياة أف. أم.» التي تتخذ من «الإصلاح» هدفاً لها. هي لا تتوخى الإصلاح الإداري مثلاً، بل تتجّه لتكريس فكرة الدعوة إلى إنشاء حياة اجتماعية «مستقيمة» عبر بث الأناشيد التوجيهية. وقبل أيام، انضمت إذاعتان خاصتان إلى الأثير، هما «يمن ميوزيك»، و«صوت اليمن». لم يتضح اتجاههما بعد لأنّهما ما زالتا في مرحلة البث التجريبي، وتكتفيان بالأغاني.
يبدو أنّ ظهور الإذاعات لن يتوقف هنا، وخصوصاً أنّ الحالات القائمة حقّقت نجاحات مع انتعاش سوق الإعلان التجاري. من ناحيتها، تتجه الحكومة إلى تقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب حول كيفية تنظيم هذه المؤسسات، وفق أنباء انتشرت قبل أيّام، لكن القرار ما زال يراوح في أروقة المجلس، ولا يبدو أنّ أمر إصداره سيكون قريباً.
جمال جبران / الأخبار