يقول المستشرق والشاعر الفرنسي “لا مارتين”: “وادي قاديشا في الشمال هو اورشليم لبنان. هو الوادي، المليئ بالذكريات والتاريخ والأساطير…”. وأنت تدخل الوادي، من الجهة الشمالية (اهدن والجوار) لتتأمل قدسية تلك المنطقة، ينتابك شعور غريب ومحيّر، عندما تقف فجأة أمام معلم ضخم من المعالم الحضارية، يقال انه يحمل اسم “معلم القلنسوة”، الذي تبين ان حقائقه تعود بنا الى حقبة ما قبل التاريخ…
ماذا تفعل القلنسوة على رأس صخر في إهدن؟ ومن نحت هذا الشكل في هذا المكان؟ وفي أي زمان؟ ليأتي بعده “أبو الهول” في مصر مشابهاً؟ وهل نقلت الحضارة من وادي اهدن او وادي قزحيا الى مصر؟.
سؤال اجاب عنه الباحث التاريخي سيمون مارون والمهندس جيلبار ليشع اللذان اكتشفا ضخامة الموقع والمعلم، وقالا: “عندما أكب الباحثون والعلماء على دراسة (أبو سمبل) في مصر، سادهم الاعتقاد، بأن شعبا ذا ثقافة عالية جداً، خرج من بيئة جغرافية ما شرق البحر الأبيض المتوسط، وأخذ معه شعاره ورمزه وعقيدته، ليرسو بها مجددا على أرض بديلة من أرضه الأم، وذلك لأسباب طارئة وغامضة وربما كارثية، فعاود بناءها مجددا على ضفاف النيل. وهكذا أضحى “أبو هول” وادي اهدن رمزاً لحضارة ما قبل التاريخ، ليتحول لاحقاً، فجراً للتاريخ في مصر”.
واضافا: “نحن نطمئن كل الذين يبحثون في التاريخ القديم، الى أننا سنزيل عنهم كل الشكوك والتساؤلات حول ما ابتغوا معرفته، لأن الجواب على توضيح الغموض وكشف الأسرار أصبح بين ايدينا، وحاضرون وجاهزون لوضع النقاط على الحروف في كيف يمكن أن يحرف اكتشاف معلم حضاري مهم كهذا جزئياً، وربما كلياً، التاريخ عن مساره… سيقف الناظر امام هذا الاكتشاف، وسيظن لوهلة بأنه يقف أمام أبو الهول في مصر، بينما هو حقيقة، في قلب الاسطورة التاريخية التي خرجت من رحم صخور وادي اهدن. ان العالم عند مشاهدته أبو سمبل في مصر، يقع في حيرة وذهول حيال عظمته”.
لكن كيف سيتجاوب العالم مع الحقيقة المكتشفة اخيراً؟ يجيبان “ان التفسير الهندسي لأبو سمبل في مصر سيجزم، وبقوة، حقيقة التطابق الكلي لأبو الهول – وادي اهدن، وذلك لتوافر كل الأشكال الهندسية التي اعتمدها المصريون آنذاك… انه أقدم معبد في العالم يرمز الى الشمس، ولنرى هل من آخر ينافسه في القدم؟”. وقد علل الباحثان هذه المعلومات بأنهما أخذاها عن مراجع علمية وتاريخية، بالعربية ولغات اجنية اخرى، تؤكد حقيقة ما اورداه في هذا المجال.
للدخول الى حرم المعبد، عليك أن تجثو على ركبتيك وتمضي قدماً، لتصل واقفاً في ردهة واسعة، وأمام الذي كان قائماً في خدمة هذا المعبد، بعدما تكون أبديت بجثوك كل الطاعة والاجلال لعباده البعل (اله الشمس والخصوبة)… فأضحت أرض البعول في اهدن، أرضا للآلهة… ومن على قمة قلنسوته، رمز دائري الشكل، تتوسطه نقطة. فالدائرة تعني الأرض، والنقطة التي في الوسط تعني نصف الأرض.
ان لعلم الكوزمولوجيا دوراً بارزاً في اثبات كون منطقة اهدن، ومن خلال هذا الرمز في وسط الكرة الأرضية، نبع الحضارات واهمها الى العالم… ان الشكل للمقام ككل لعجيب وغريب، لأنه يدخل في حقبة العصور الحجرية القديمة لأنثروبولوجيا الوادي.
طوني فرنجية / النهار