مُحرِج أحياناً أن يشمل النقد الصورة الضعيفة للمضمون الحسن، ويمسي صعباً التغاضي عن إطار سيتداعى مهما تحصّن العمل. تلفزيون لبنان، يقدّم برنامجاً تفتقده شاشات التسطيح: “التحدّي الكبير”، مع الكبيرين كمال نخلة وشكري أنيس فاخوري. لكنّه، للأسف، كالمنبعث قسراً من الذاكرة.
نخلة معدّ البرنامج ويداه اليمنى واليسرى، أعاده قوياً بمضمونه، وراقياً بهدفه. هو كمن يحمله على عاتقه ويسير به على درب وعرة. البرنامج (الجمعة والسبت، السادسة بعد الظهر) يقول كلمته ولا ينتظر الصدى. هو في مكانه ثابت، وعلى المهتم حثّ الخطى. لا يجد نفسه ملزماً بأحد. عدا تلامذة المدارس وبعض أساتذتهم والمكترث للمعلومة (غير المعقّدة)، فإن قلّة معنية بالمُشاهدة. الزمن متطلّب، والبرنامج خارج الزمن.
كأنّه نسخة قديمة عن كتاب مدرسي لم يُنقَّح. تقويمه وفق الشكل، سذاجة. لو فعلنا ذلك لحُسِم الأمر أسرع: البرنامج، بهذا المظهر، غير صالح للعرض. سنقولها بضمير مرتاح من دون شعور بذنب المسّ بتلفزيون الوطن. غير صالح للعرض، ليس لكونه جدّياً، رصيناً، طموحه الإفادة لا الإثارة، وغايته العقل لا كل الأعضاء الأخرى. انتفاء صلاحية عرضه وليد كون الصورة مُقصِّرة حيال الغائية من العرض، أي أنّها لا تضع المُشاهد أمام حال خاصة. هناك خياران، أحدهما طواه الزمن: الأبيض والأسود، أو الألوان المضطلعة بدورها. البرنامج ما بين غبار الماضي والعجز عن آنية اللحظة. ذلك لأن آنيتها تحتّم رفع شأن الصورة. ثمة من يبجّلها، وهذه مبالغة. رفع شأنها الى مستوى المعنى، يكفي. البرنامج معنى بلا صورة.
لن يرفض مجاراة زمنه لو مُنِح فرصة، لكن يبدو أنّ لتلفزيون لبنان أولويات. سنرى أي مبررات ستُلحَق بمؤتمرات صحافية قد تُعقَد بعد كأس العالم. مُلحٌّ أيضاً عدم إحساس المُشاهد باستحالة التغيير الجدّي في المحطة. رجل بقيمة كمال نخلة يغلب هذا. ليس للمقدّمة كريستين داغر سوى دور الربط بين جهده (أسئلته) والتلامذة (فريقان، يضمّ كلّ فريق 3 تلامذة). تقرأ المكتوب وتُذكّر بالوقت المتاح للإجابة، والجوائز في النهاية. هي، كأي مُشاهد يقابل ثقافة نخلة بالدهشة: “أهنّئك أستاذ نخلة. كم لديك من معلومات!”. كأنّه الجبل الذي شهد محاولات سيزيف، ولم يتعب: “مضى العمر بين البحوث والمعلومات”. العقل، في بلد آخر، يؤلّه.
البرنامج رهن تحضير التلميذ، وسرعة بديهته، وحسّ المنافسة ذاك الذي حملناه في الصفّ، والآن يتخذ شكلاً آخر. التلامذة يمثلون أنفسهم ومدارسهم، مستوياتهم تتفاوت، بعضهم الجيّد وبعضهم المميّز. 10 أسئلة، 8 منها عن لبنان، بتاريخه وجغرافيته وأعلامه، الى الرياضيات والعلوم وجماليات الشعر والأدب، و2 للثقافة العامة. هذا من وحي افراطنا الراهن في الحماسة: “من فاز بكأس أوروبا 2012؟” إنها اسبانيا، وغالباً ما يُلحَق الجواب بشرح يورده نخلة ذو العطاء الفائض. فاخوري يُجمّل الشعر العمودي المقفّى. نسترجع كم هجا المتنبّي كافوراً، وبأي انفعالات وُلدَت القصيدة. البرنامج مدرسة، فيه إفادة لنا، نحن الذين فاتنا الاحتفاظ بما تعلّمناه لقلّة استعماله. بعض الأسئلة من خارج المرجع مطلوب أيضاً، فلا يعتاد التلميذ أنّ كتباً محددة تصنع الأدمغة. الهدف الثقافي يوازي الهدف التعليمي، ما أروعهما إن أصبحا واحداً!
هذا صعب علينا، وربما، عليك أيضاً: “استعمل الرقم 8 ستّ مرات لتحصل على العدد 81”. مذهل أنّ بعض التلامذة يجيب بأقل من دقيقة!
فاطمة عبدالله / النهار