قبل حوالي ثماني سنوات اتخذ الاتحاد الدولي للاتصالات قرارا هاما بتغيير كبير سيطال الاردن في السنة القادمة. فقد تم الاتفاق عام 2006 على خطة للتحول إلى البث الرقمي تغطي 116 دولة تشمل كافة الدول العربية. و رغم ان الموضوع تقني بامتياز الا انه من الضروري ان يفهم كل مواطن اردني انه في السابع عشر من حزيران عام 2015 لن يستطيع ان يشاهد اي محطة ارضية اردنية إذا كان لديه جهاز تلفزيوني غير رقمي.
هذا الموضوع كان محور لقاء هام حول الطاولة المستدارة في البحر الميت الجمعة والسبت الماضي حضره كل من الوزير لشؤون الاعلام ومدير عام هيئة الاعلام والمهندس راضي الخص اجمع الحضور على الحاجة الماسة لتوعية الجمهور والمسؤولين في الاردن حول تحديات وفؤائد البث الرقمي.
التلفزيونات الحديثة في غالبها أصبحت ديجيتال digital ولكن الاجهزة القديمة تعمل على النظام analogue اي غير الرقمي وستحتاج الى جهاز converter لتحويل اليث الرقمي الى الاجهزة البيتية غير الرقمية. طبعا الامر لا ينطبق على البث الفضائي ولكن غالبية المحطات الاردنية وخاصة الرياضية ستنتقل الى البث الرقمي لان تكلفته اقل بكثير للحصول على امتيازات وبرامج ذات جودة عالية.
لا شك ان الموضوع قد يشكل تعقيدا للمواطن العادي وسأحاول تبسيط الامور للفائدة العامة.
فمثلا, الكل يرغب بحضور كأس العالم في حين ان 96% من الاردنين يشاهدون محطات فضائية فقط من خلال صحن ورسيفر. ولكن لو كان هناك بث ارضي جيد في الاردن فكان من الممكن ان تقوم الاردن (التلفزيون الرسمي او تلفزيون خاص) بالحصول على حق البث الحصري فقط في حدود الدولة الاردنية او ربما في حدود مدينة ما (مثلا عمان او اربد) وبالتالي برسوم اقل بكثير (لان الجمهور أقل) من المليار ونصف التي دفعتها الجزيرة (بي إن) للحصول على بث فضائي يشمل كافة المناطق العربية. الامر نفسه مثلا ينطبق على تكلفة اي محطة اردنية لشراء مسلسل او فيلم. فتكلفة شراء مسلسل لبثه على قناة فضائية مكلف في حين لو كان البث محدودا فقط لحدود المملكة الجغرافي فستكون التكلفة اقل.
وجود بث رقمي يغطي الاردن سيكون محفزا للمحطات التلفزيونية الاردنية الخاصة والتي تدفع رسوم باهظة جدا للوصول للقمر الاصطناعي (حوالي 25 الف دولار شهريا) في حين أن معظم مشاهدي تلك المحطات يتابعونها في الاردن. فما فائدة ان يشاهد تلك المحطات الخاصة مثل جوسات او رؤيا في الجزائر او اليمن في حين ان غالبية مشاهدي تلك المحطات من سكان الاردن.
النقل من البث اتماثلي (غير الرقمي) الى البث الرقمي سيوفر أيضا فرضا ذهبية لتنمية العمل التلفزيوني المحلي. فبمجرد توفر إمكانية بث محدود في المملكة او محدد بحدود منطقة او مدينة ما سيمكن للرواد ان يقيموا محطات تلفزيونية محلية وبتكلفة بسيطة (شريطة ان لا تضع الحكومة رسوما عالية). الامر سيكون مهما مثلا لدعم الرياضة المحلية والحكم المحلي والصناعة والتجارة المحلية وسيوفر للحكام المحليين وللنشطاء المحليين وسيلة اعلام قوية ومحلية بتكلفة معقولة.
كل هذا ممكن ان يحدث بشرط ان تتضافر الجهود وتبتعد الدولة والجهات التجارية عن فكرة الربح السريع او الاستفادة من عوائد البث على حساب النوعية والجودة. فالتحول الرقمي بحاجة ماسة الى تعاون جدي بين القطاعين العام والخاص، بين المشرَع وبين الراغبين باقامة محطات تلفزيونية محلية او وطنية.
طبعا هناك تحديات كبيرة على مستوى تقني (نوعية البث) وتوعية المواطنين والاتفاق على مواصفات كما هناك حاجة الى منع الاحتكار ومنع توغل رأس المال على حساب حاجات المجتمعات المحلية.
في 17-6-2105 سيتم إطفاء البث التماثلي في الاردن وسيتم تحول تلك الذبذبات الى هيئة تنظيم الاتصالات والتي ستسطيع بيعها لمشغلي الخلويات بملايين الدنانير. ولكن هل ستكون هناك ارادة سياسية وضغط شعبي لتوفير تلك الاموال لدفعها بدل اجهزة النقل (تساوي حوالي 20 ديتار للجهاز) ولدعم الانتاجات المحلية والمحطات التلفزيونية المجتمعية.
طبيعة البث التلفزيوني ستتغير تغيرا جذريا ونعرف من التجارب في العديد من الدول ان نجاح وسلاسة الانتقال بحاجة الى عمل جدي على كافة المستويات من تقنين واداريين ومنتجين ومشرعين فهل نحن مستعدون لذلك؟ هل المواطن والتاجر والفنان والسياسي على دراية بمعنى واهمية ما سيحدث عند التحول الى البث الرقمي؟
*الكاتب مدير عام شبكة الاعلام المجتمعي اسس العديد من المحطات التلفزيونية والاذاعية في فلسطين والاردن والعالم العربي.
داود كُتّاب
نقلاً عن “الرأي” الأردنية