في المستقبل القريب، وإن نظرت بواسطة التلسكوب إلى طبقات الجوّ العليا، ستلاحظ وجود أجسام غريبة. أجسام تشبه قناديل البحر لكنها تتحرك كسرب من الطيور. ذلك ليس خيالاً علمياً، بل إنّ تلك الأجسام ليست سوى مشروع «غوغل» الجديد لتأمين الإنترنت للجميع، أو بالونات «غوغل لون» (Google loon). ستدور تلك البالونات البيضاء حول الأرض، في الستراتوسفير أو الغلاف الجوي الطبقي (يمتدّ بين ارتفاع 18 كم إلى نحو 50 كم فوق سطح البحر)، لتؤمّن الإنترنت لأكبر عدد ممكن من سكّان الكرة الأرضيّة.
عندما يصبح المشروع جاهزاً لن يحتاج المستخدم إلى اشتراك من أي نوع كان ليصل إلى الإنترنت. كل ما سيحتاجه أن يشتري هوائياً خاصاً ينصبه على شرفته أو على سطح بيته. تعمل تلك البالونات على الطاقة الشمسية، ويتمّ التحكّم بها من الأرض عبر ضخّ الهواء الساخن داخلها. تطير مرتين أعلى من الطائرة، وتدور على علو لا يتأثّر بالتغيّرات المناخيّة، بشكل لا يؤثّر على إرسالها في حالة الكوارث الطبيعية.
يهدف المشروع إلى إيصال الإنترنت لمن لم يصله بعد، أي نحو ثلثي سكّان الأرض، وبالتالي زيادة عدد مستخدمي «غوغل». فكل من يستطيع شراء الهوائي يمكنه مباشرة الإنتقال إلى عصر الإنترنت، من دون المرور عبر بوابة الإنترنت التي تتحكّم بها جهات حكوميّة غالباً. وليس مشروع «غوغل لون» الوحيد في هذا السياق، بل إنّ «غوغل» ستشتري قريباً 180 ساتلايت صغيراً، بكلفة أوليّة تبلغ 3 مليارات دولار.
الإنترنت عبر الساتلايت ليس مشروعاً جديداً، لكنّ الشركة الأميركيّة تقترح تقديم خدمة أسرع، بما أنّ الأقمار الصناعيّة التي تنوي شراءها، ستكون أقرب بكثير إلى سطح الكرة الأرضية (8 آلاف كيلومتر) من ساتلايتات الإنترنت الأخرى (35 ألف كيلومتر). كما أنّ المشروع يهدف إلى تأمين الإنترنت بأسعار رخيصة، إذ سيكون بمتناول أي أحد اقتناء «ريسيفير» و«مودم» للحصول على الخدمة من الساتلايت.
المشروعان إن كانا يشكّلان خبراً سعيداً بالنسبة إلى بعض أجزاء الكرة الأرضيّة، إلّا أنّهما ينذران بمشاكل عدّة، خصوصاً في الدول التي تفرض رقابة على الإنترنت. ففي كوريا الشمالية، يحظى 4 في المئة فقط من السكان بإذن الولوج إلى الشبكة العنكبوتية، في حين تمتلك الصين النظام الأوسع والأكثر تطوراً في العالم لممارسة الرقابة على الإنترنت. قد تلجأ بعض هذه الدول إلى إصدار قرار بمنع بالونات «غوغل» من دخول مجالها الجوّي، تحت طائلة إسقاطها، بما أنّ الارتفاع الذي تطير فيه تلك البالونات، يقع ضمن المجال الجوّي لها. لكن المشكلة الحقيقية ستكون مع الساتلايتات التي لا يمكن إسقاطها، والتي لا تتبع للدولة نفسها بشكل يتيح مراقبتها. إحدى النظريات تقول إنّ الدول «المتضرّرة» ستمنع بيع وشراء الأجهزة التي تسهلّ التقاط الانترنت عبر البالونات أو الأقمار الصناعيّة. لكن منطق الأعمال يقول أيضاً إنّه لا يمكنك منع شيء يطلبه السوق وهناك من هو جاهز لدفع الأموال من أجله. باختصار، فإنّ مشروعي غوغل الجديدين، ينضمّان إلى لائحة طويلة من العوامل التي ستجعل من ممارسة الرقابة على الإنترنت شبه مستحيلة في المستقبل.
ولا يبدو أنّنا سننتظر كثيراً بعد حتى يتحوّل «غوغل لون»، إذ إنّ الشركة وضعت بالوناتها حيّز الإختبار، منذ سنة تحديداً، في حزيران 2013، في نيوزلندا، وانتقلت بها اليوم إلى كاليفورنيا. وهي بذلك خطفت المبادرة من العملاق الآخر «فايسبوك»، حيث أنّ مارك زوكربرغ بدأ العمل على مشروعه الخاص هو الآخر، والذي يبدو أقرب إلى الخيال العلمي، لزيادة أعداد مشتركيه وإيصال الإنترنت إلى العالم أجمع. إذ تعتمد فكرة زوكربرغ على طائرات من دون طيّار، تتواصل في ما بينها من خلال أشعّة لايزر، لتؤمّن الإنترنت للكوكب!
www.google.com/loon
زينب مرعي / السفير