قبل عامين شعرت الشابة ميرا منقارة (34سنة) بشوق إلى الجولات السياحيّة التي كانت تقوم بها ماضياً في مدينة طرابلس، آخذة على عاتقها مسؤولية إظهار جمال المدينة الذي “يتدفّق بإسهاب” إذا ما أمعن الزائر النظر فيه مُتخطّياً سوء تفاهم يعيشه مع “البلد” (الطرابلسي يُطلق على مدينته إسم البلد) منذ مدة طويلة.
تخرجت منقارة ابنة طرابلس من الجامعة اللبنانيّة منذ سنوات، مُتخصّصة في الإرشاد السياحي، (مع التركيز على مدينة طرابلس)، فعملت جزئيّاً في هذا الحقل منذ العام 2000.
لكن جولات الاقتتال كانت تُحاصر المدينة، فإذا بها تعيش “نهر العنف الجليديّ” خبزها اليومي في شكل مُتتال، ما أجبر الشابة على غضّ الطرف على الجولات السياحيّة التي كانت قد انتقلت تدريجاً إلى حياتها اليوميّة. تقول: “فجأة شعرتُ بحزن شديد على طرابلس وما آلت إليه جراء الوضع الأمني المُتردّي”. وغالباً ما كانت تُردّد لنفسها، “يا ضيعانها هالمدينة”.
وعندما توقّفت جولات الاقتتال أخيراً، “قلت: هذه هي المُناسبة التي انتظرتها طويلاً لإعادة إحياء جولاتي السياحيّة في البلد، فأظهر تالياً جمالها. هي ليست مُهمّة أخذتها على عاتقي، وجلّ ما في الأمر أنني أحب مدينتي كثيراً”.
وفي نيسان المُنصرم وبعدما وجّهت منقارة دعوة مفتوحة عبر موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، لكل من يرغب في الانضمام إلى جولاتها السياحيّة المُنظّمة في طرابلس القديمة، نظمت الجولة الرسميّة الأولى بعد انقطاع تعذّر اجتنابه. واستقطبت هذه الجولة 25 شخصاً انقسموا ما بين لبنانيّين وسياح أجانب.
أطلقت ميرا منقارة على هذه الجولات إسم Mira’s Guided Tours In Tripoli (جولات ميرا السياحيّة الموجّهة في طرابلس). ومنذ الجولة الأولى تنهال عليها طلبات من كل الاتجاهات من راغبين في التعرّف من كثب على طرابلس، بأجزائها الداخليّة.
إستمرّ اللقاء الأول 5 ساعات، وأخذت منقارة المجموعة إلى قلعة طرابلس التي تستريح على آثار صليبيّة ومملوكيّة وعثمانيّة، فالأسواق القديمة التي تنتشر فيها الحمّامات والخانات والآثار، وبعدها إلى مطعم “الدنّون” الشعبي لتناول “الفول والحمّص والفتّة”، إلى الأسواق القديمة في الميناء، فتناول البوظة “يالّلي بتمغّط”.
ردود فعل المجموعة كانت على قول منقارة أكثر من رائعة، إذ راحوا “يتغزّلون” بجمال المدينة التي ملّت سوء الفهم المُزمن الذي تعيشه مع الآخرين، كما إلتقطوا مئات الصور عن اللحظات الحياتيّة التي “تضجّ بالحياة”، ومنها “الاولاد هنّي وعم بيعفرتوا في الشوارع”. مُتعمّقين في وصفهم للأكل “الطرابلسي المحض” الذي لم يشبعوا منه بسرعة.
أمّا أبناء طرابلس، فاستقبلوا “الزوّار” بحفاوة لا مثيل لها، و”يا أهلا وسهلا”، “Welcome”. على قول ميرا، “أبناء طرابلس كانوا مكيّفين عندما وصلت المجموعة في المرة الأولى، هاتفين: ولك يا أهلا وسهلا، والله اشتقنالكم، وراحوا يُقدّمون مُختلف المشهيّات لزوّار المدينة”.
ومنذ ذلك الوقت، تلتقي ميرا بـ”زوّارها” مرّتين في الشهر، “على أن يكون موعد اللقاء يوم السبت”، وتكون نقطة الانطلاق في وسط بيروت، على أن تنتظرهم منقارة في ساحة السلام، “فأتوجّه معهم في الباص إلى الأماكن التاريخيّة التي سنزورها معاً. وفي الباص أقدّم لهم لمحة تاريخيّة عن طرابلس، وتتوالى بعدها النشاطات المُقرّرة لهذا النهار الطويل”.
تضحك ميرا قبل أن تُعلّق، “وفي نهاية النهار الطويل يُصفقّون لي مطولاً، وفي الحقيقة اكتشفت مع الوقت انني أعشق هذه اللحظة وأنتظرها مُتعاملة معها وكأنها التأكيد الحقيقي على أن الجولة كانت ناجحة”.
ولأن منقارة تُقدّم وفي موازاة جولاتها السياحيّة في طرابلس القديمة، جولة ثانية لمعرض رشيد كرامي الدولي الذي صمّمه المُهندس البرازيلي الذائع السيط، أوسكار نيماير، غالباً ما يقترب منها من اختار زيارة هذا المعلم التاريخي، هاتفاً، “مش عم صدّق أنّو هالمعرض بعظمتو ما عم يستقطب ناس أكتر بدها تزورو!”. تُضيف ميرا، “عشرات مُخططي المُدن والمعماريين يزورون المعرض لاكتشاف تصاميمه المُستقبليّة الطلّة. الجميع يُردّد ان السحر يُسيّج هذا المكان”.
وأكثر ما يُفرح “زوّار” طرابلس الذين يقومون بهذه الجولات السياحيّة، على قولها، “الأولاد وحريتهم المُعدية عندما يلعبون في الشوارع، زد إليهم الحرية المُطلقة التي يُمارسها بائعو الخُضر عندما يصرخون عالياً مُروّجين لمنتجاتهم “الطازة” و”البلدية”. ويأخذون كل وقتهم في التهام “الكعكة الطرابلسيّة” التي تُقدّمها لهم ميرا “ليتذوّقوها ويمزمزوها على رواق”.
وتُنهي ميرا منقارة قائلة، “أبناء طرابلس يُعبّرون عن فرح كبير عندما يُصادفون الزوّار في شوارعهم، يجدون في هذه الجولات السياحيّة وسيلة تمحي الصورة السيئة التي تُحاصر مدينتهم. وأنا شخصيّاً أريد أن أُظهر الوجه العريق والجميل والبسيط في آن لطرابلس، وهذه العناصر تتجسّد في الأكل الطرابلسي، كما في رائحة الزواريب القديمة، وأيضاً بالحرف المحليّة، وأذكر منها سوق النحّاسين وسوق الصابون. ثمة ثقافة قديمة حاضرة في المدينة نلمسها في العمارة. هي فعلاً عناصر عدة تلتقي في طرابلس”.
وصحيح ان الوقت لا يسمح بزيارة “طرابلس الجديدة”، بيد ان ميرا تمضي بعض وقت في وصفها للزوّار الذين ربما دفعهم الفضول إلى العودة مُجدداً إلى المدينة لاحقاً.
كيف تصف “عاشقة البلد” هذه الجولات السياحيّة؟ تصمت طويلاً قبل أن تُجيب، “هي العودة إلى طرابلس!”
يُمكن التواصل مع الشابة على الصفحة الخاصة بالجولات على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”: Mira’s Guided Tours In Tripoli.