احتفلت ابرشية طرابلس المارونية، بترقية اربعة شدايقة الى درجة الشماسية، على مذابح الابرشية، وهم طوني الترس، كامل كامل، جو رزق الله وفيكتور الحجة، وذلك بوضع يد راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، في كنيسة مار يعقوب في دير كرمسده في قضاء زغرتا، بمعاونة المطران بو جوده في السيامة الشماسية، رئيس لجنة الدعوات في الابرشية الخوري مرسال نسطه والخوري جوزيف نفاع، ومشاركة لفيف من كهنة الابرشية، وحضور اهل واقارب الشمامسة الجدد.
بعد الانجيل المقدس، القى بو جوده عظة قال فيها: “تحتفل الكنيسة المارونية في هذين اليومين بعيد قديسين كبيرين هما القديس إلياس النبي والقديس شربل مخلوف. أولهما من أنبياء العهد القديم وثانيهما من قديسي أيامنا المعاصرة، ولكليهما حب وتقدير كبير من أبناء الإيمان لأنهما كانا شاهدين لإيمانهما في ظروف لم تكن دائما مريحة لهما بل على العكس تماما، إذ إنهما جابها في حياتهما تحديات وصعوبات كبيرة. القديس إلياس، إضطر للوقوف في وجه الملك آحاب وزوجته ايزابيل الوثنية التي كان لها التأثير الكبير على زوجها، إذ أنها جعلته يتخلى عن عبادته للاله الحقيقي والتعبد للآلهة الوثنية. كما أنها أشركته في جريمة قتل نابوت الذي رفض أن يتخلى عن أرض آبائه فإتهمته بالتجديف على الرب كي يحكم عليه بالموت. أما القديس شربل فإنه عاش في أيام كان المسيحيون فيها ما زالوا يعانون من تداعيات الحروب الدينية التي إستشهد فيها الكثيرون ومن بينهم الإخوة المسابكيون الثلاثة. إيليا النبي وشربل مخلوف عرفا بأنهما كانا شاهدين للمسيح في حياتهما، كل منهما بطريقته وأسلوبه الخاص، ولكن كليهما بروح الإلتزام المميز وحمل كلمة الله للآخرين”.
وقال بو جوده: “إن سيامتكم الشماسية تتم اليوم تحضيرا لدرجة الكهنوت التي ستنالونها قريبا إن شاء الله، لكي تكونوا حاملي البشرى السارة للآخرين وتعملوا على محاربة عبادة الأوثان والأصنام والعادات والممارسات المنافية للدين، في زمن كثرت فيه التحديات بالنسبة الى المسيحيين ليس فقط في هذا العالم الشرق أوسطي، بل في كل بلدان العالم وبصورة ملفتة للانتباه في البلدان التي كانت نقطة الثقل في المسيحية والتي تحول الكثيرون منها إلى العلمنة المفرطة كي لا نقول للالحاد المعلن. المسيح يسوع، الذي جاء مخلصا وفاديا للبشرية جمعاء، أراد أن يشرك الإنسان معه في مشروعه الخلاصي، فإختار الرسل والتلاميذ ودربهم على القيام بأعمال الرسالة ثم سلمهم المسؤولية بعد صعوده إلى السماء. وقد تقيد الرسل بتعاليمه وإرشاداته وانطلقوا يبشرون بإسمه في مختلف المدن والقرى في فلسطين أولا ثم في مختلف بلدان حوض البحر المتوسط. وكان الكثيرون من أبناء الجاليات اليهودية قد سمعوا بإسم المسيح وآمنوا به، وبصورة خاصة أولئك الذين كانوا في أورشليم في اليوم الخمسين، يوم العنصرة، عندما حل الروح القدس على التلاميذ، وبالمقابل فإن الكثيرين منهم قد رفضوه وحاربوه. ويقول لنا كتاب أعمال الرسل إنه قد إنضم إلى الكنيسة الناشئة في ذلك اليوم ما لا يقل عن الثلاثة الآف رجل، لكن الذي حصل بعد ذلك في الكنيسة الناشئة، خاصة بعد أن إنضم إليها عدد من يهود الشتات الذين شعروا بأنهم مهملون ولا يعاملون المعاملة ذاتها كالمقيمين في أورشليم وفلسطين. فإحتجوا لدى الرسل بأن أراملهم لا يأخذن نصيبهن من المعيشة اليومية (أعمال 6/1-2). يومها إهتم الرسل بالأمر وإختاروا سبعة رجال مشهود لهم بحسن السمعة، وممتلئين من الروح القدس والحكمة، وكلفوهم بالأمور المادية وقالوا: لا يليق بنا أن نهمل كلام الله لنهتم بأمور المعيشة، بل علينا أن نواظب نحن على الصلاة والتبشير بكلام الله. هؤلاء السبعة سموا شمامسة، لكن دورهم لم يقتصر على الأمور المادية، بل ساهموا هم أيضا في العمل الرسولي والتبشيري، وكان أشهرهم إستفانوس الذي أصبح أول شهيد للمسيح”.
اضاف: “الشماس (مشمشونو بالسريانية، ودياكونوس باليونانية) هو الخادم. والخادم هو رجل الثقة عند رب العمل، إذ ليس في الأمر تحقير له، بل على العكس. إنه ذلك الذي يكلفه سيده القيام بالمهمات الصعبة والدقيقة، كما حصل مع إبراهيم عندما أراد أن يزوج إبنه إسحق، فإختار رئيس خدمه وأوفده إلى عشيرته كي يختار زوجة لإبنه إسحق. والمسيح بذاته جعل من نفسه خادما وقال إنه لم يأت ليخدم بل ليَخدم. وقد برهن عن ذلك عندما غسل أرجل التلاميذ قبيل موته على الصليب، وهي المهمة التي يقوم بها عادة العبيد، وقال لهم: أنتم تدعونني معلّماً وسيّداً، وحسناً تفعلون لأني هكذا أنا وإذا كنت أنا السيّد والمعلّم غسلت أرجلُكم، فيجب عليكم أنتم أيضاً أن يغسل بعضكم أرجل بعض وأنا أعطيتكم ما تقتدون به، فتعملوا ما عملته لكم. الحق الحق أقول لكم: ما كان خادم أفضل من سيده، ولا كان رسول أعظم من الذي أرسله. والآن عَرَفتهم هذه الحقيقة، فهنيئاً لكم إذا عملتم بها(يو 13/12-17). كما أنّ أشعيا النبي يسمي المسيح حوالي الثمان مائة سنة قبل مجيئه عبدالله وخادمه في أناشيده الأربعة التي تتكلم عنه فيقول في نشيده الأول: هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي رضيَتْ عنه نفسي. قد جعلتُ روحي عليه، فهو يبدي الحق للأُمم، ولا يصيح ولا يرفع صوته ولا يسمع صوته في الشوارع. القصبة المرضوضة لن يكسرها، والفتيلة المدخّنة لن يطفئها. يبدي الحق بالأمانة لا يني ولا ينثني إلى أن يحلّ الحق في الأرض. أنا الرب دعوتك في البرّ وأخذت بيدك وجبلتك وجعلتك عهداً للشعب ونوراً للأُمم، لكي تفتح العيون العمياء وتخرج الأسير من السجن والجالسين في الظلمة من بيت الحبس ( أشعيا 42/1-4 و6-7).
وتابع: “الشماسية في الكنيسة هي رتبة تمهيدية لدرجة الكهنوت بصورة عادية. وقد تكون شماسية دائمة، كما أُعيد العمل بها بعد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. بموجبها يصبح بإمكان الشماس أن يشارك الكاهن في منح بعض الأسرار كالمعمودية ومسحة المرضى، وإذا كانت تمهيدية لسر الكهنوت فهي تُحضّر الشماس وتدرّبه على الوعظ والإرشاد ومرافقة المؤمنين في صلاتهم رسميّاً بإسم الكنيسة. وإننا إذا عدنا إلى أعمال الرسل رأينا كيف أنّ إستفانوس كان ممتلئا من النعمة والقدرة، وكيف كانت تجري العجائب والآيات العظيمة على يده بين الشعب. وكيف أن شمّاساً آخر هو فيليبوس قد بشّر وعمّد وزير ملكة الحبشة”.
إنّ درجة الشماسيّة التي ستنالونها اليوم، أيها الأحباء، هي المرحلة الأخيرة من تحضيركم لسر الكهنوت الذي إقتنعتم أنّ الله يدعوكم إليه. إذ إنّه هو الذي إختاركم، فلبّيتم النداء، وأخذتم الوقت الكافي للإستعداد للقيام بهذه الرسالة. لقد سمعتم صوت الرب يدعوكم كما دعا صموئيل، فأجاب كل واحد منكم وقال: تكلّم يا رب فإنّ عبدك يصغي. وأنتم تعبّرون اليوم عن إستعدادكم للقيام بكل المهمات التي تكلّفكم بها الكنيسة وتقولون، كما قال أشعيا النبي:”ها أنذا يا رب فأرسلني”.
واردف: “إنكم مدعوون لتكونوا في حالة إصغاء إلى كلام الرب والعمل بمقتضاه، على مثال العذراء مريم التي إستحقت الطوبى من إبنها ليس فقط لأنها أعطته حياة الجسد، بل لأنها سمعت كلام الرب وعملت بمقتضاه. كشمامسة سوف تكونون الخدام الأمناء ورجال الثقة عند الرب. سوف تقومون دون أي شك بالخدمة بأمانة: خدمة المائدة وخدمة الكلمة وخدمة الأسرار. سوف تهتمون بخدمة المائدة من خلال إهتمامكم بالفقراء الذين هم الأعضاء المتألمة في جسد المسيح. والذين يتزايد عددهم كل يوم. والذين يدعونا قداسة البابا فرنسيس لإعطائهم الأولوية في إهتماماتنا فلا نعاملهم كمنبوذين ومهمّشين وبصورة خاصة الأطفال والأجنّة والمسنين. على مثال إستفانوس عليكم أن تقرنوا خدمة المائدة بخدمة الكلمة، إذ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله. ولذا فعليكم أن تهتموا في الوقت عينه بأمور الجسد وأمور الروح، لأن الإنسان جسد وروح. ونحن مدعوون للإهتمام به مادياً وروحياً. وكلنا يعرف حالة الفقر والعوز المادي والروحي التي يعيشها الكثيرون من أبناء جيلنا وأبناء بلادنا وأبناء كنيستنا. وفي الكنيسة كما نعرف محبة مميزة للفقراء الذين يجسّدون المسيح بيننا، كما سمعناه يقول: كل مرة فعلتم ذلك مع أحد إخوتي هؤلاء الصغار فمعي أنا قد فعلتموه. إننا كأساقفة وكهنة وشماسة ومؤمنين علمانين، مدعوون للإهتمام بالإنسان، كل إنسان، وبالإنسان كله لأنّه الخليقة الوحيدة التي أرادها الله لذتها. وعلينا أن نحبّه بعرق جباهنا وتعب زنودنا، كما يقول القديس منصور دي بول وعلينا أن نعطيه الأولوية بإهتماماتنا، إذ أنّه مخلوق على صورة الله ومثاله”.
وختم: “لذلك فإني أدعوكم اليوم، بإسم الكنيسة، أن تجعلوا من الأشهر القليلة التي تفصلكم عن سر الكهنوت، زمنا مميزا في حياتكم كي تستطيعوا القيام بهذه الرسالة وهذا الدور على أكمل وجه. وإنني بإسمي كمطران للأبرشية، وبإسم إخوتكم الكهنة، أتقدم منكم ومن أهلكم الكرام بأصدق عواطف التهنئة والتمنيات، كي تكون خدمتكم مثمرة ومباركة. وأتمنى لكم شماسية ناجحة، تمهيدا لكهنوت ناجح في خدمة الرب وخدمة الكنيسة وخدمة الفقراء”.
من ثم تقبل الشمامسة الجدد التهاني الى جانب المطران بو جوده من الحضور المشارك، واقيم كوكتيل في المناسبة في صالون الدير.
وطنية