تبدأ حكاية العلم اللبناني مع الأمير فخر الدين المعني عام 1516، حين اعتمد علماً من لونين، أحمر وأبيض، يتوسطه إكليل أخضر. وفي القرن السابع عشر، وتحديداً عام 1698، اعتمد الأمير بشير الأول علماً أزرق يتوسطـه هلال أبيض. وفي 1842 استعمل المتصرف العثماني والي الدين راية حمراء، يتوسطها هلال ونجمة بيضاء، للدلالة على الارتباط بالدولة العثمانية. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانسحاب العثمانيين من لبنان، استخــدم اللبنانيون راية بيضاء يتوسطها رسم شجرة الأرز التي يعرف بها لبنان.
جاء الانتداب الفرنسي، ومعه رفع الفرنسيون علمهم المميَز بألوانه الأزرق والأبيض والأحمر، في وسطه رسم شجرة الأرز. ومع استقلال لبنان عام 1943 اعتمد اللبنانيون علما أبيض، مع شريطين باللون الأحمر في الأعلـى والأسفل ورسم شجرة الأرز اللبنانية في الوسط، ورفعوه للمرة الاولى على مبنى السرايا الحكومية في بلدة بشامون، وأقـرّه البرلمان اللبناني في كانون الأول 1943.
يرمز اللون الأحمر إلـى دماء الشهداء، والأبيض إلى تراكم الثلوج على جبال لبنان، فضلاً عن دلالته على الصفاء والسلام. أما شجرة الأرز االمستمدة من جبال لبنان أيضاً، فترمز إلى القداسة والخلود.
كيف ولد علمنا اللبناني الذي يرفرف في مناسباتنا الوطنية ومؤسساتنا الرسمية، والذي يعود بتصميمه إلى أيام الانتداب؟
في 11 تشرين الثاني 1943 تصاعدت المشاعر الوطنية الإستقلالية ضد الإنتداب الفرنسي، الذي اعتقل قادة البلاد من رئيس جمهورية ورئيس الحكومة ووزراء ووضعهم في سجن راشيا، فما كان من الأمير مجيد أرسلان وصبري حمادة وحبيب أبو شهلا إلا إعلان “حكومة لبنان الحر” التي ترأسها أبو شهلا من سرايا بشامون. وجمع الأمير مجيد من حوله العديد من الرجال وتم تسليحهم لمواجهة القوات الفرنسية. وعقد النواب اللبنانيون جلسة سرية ورسموا العلم اللبناني الجديد الذي نعرفه ووقعوه. وقامت نساء بتنفيذه على قماشة من ستارة منزلية، ثم تولين حياكة أول علم لبناني وتطريزه.
رفع العلم اللبناني للمرة الأولى على هضبة ترتفع 1600 متر عن سطح البحر في منطقة فالوغا في المتن الأعلى، في المنطقة المعروفة بمنطقة عين الصحة، التي كانت تشكل أحد أهم المراكز العسكرية للتدريب أيام الانتداب. وكان الفرنسيون أنشأوا جيشاً من لبنانيين وسوريين عرف بالفرق الخاصة وقوامه 16 ألف جندي، بينهم سبعة آلاف جندي لبناني. وكانت هذه الفرق تحت قيادة الفرنسيين. واللافت أن العلم اللبناني رفع بعد تمرّد عدد من الضباط اللبنانيين قبيل نيل الاستقلال بأيام. وهذه الحادثة تمت كالآتي: كان أحد كبار الضباط الفرنسيين يقوم بجولة على المراكز العسكرية ومنها فالوغا، وأعد له حفل استقبال هناك. وكان في هذا الموقع رئيس فرقة القناصة المقدم جميل لحود ورفاقه الضباط عادل الحلبي، عزيز الأحدب، جميل الحسامي، سعد الله النجار، جورج معلوف، جورج معكرون، فؤاد قديس وريمون الحايك. وقبيل بدء مراسم الاستقبال المقررة، أنزل لحود بالتعاون مع الضباط، العلم الفرنسي من على تلة الأرز الاستراتيجية هناك، ورفعوا العلم اللبناني الجديد مكانه. هكذا ارتفع علمنا عالياً واستمر في ارتفاعه في كل مكان، وها هو يرفرف حتى اليوم.
نيكول طعمه / نهار الشباب