يشكّل اطلاق الدليل التدريبي الاسلامي – المسيحي لتعزيز قيم المواطنة والعيش معاً في التربية الدينية خطوة نوعية ليس لجمعه آباء من مجلس كنائس الشرق الاوسط وشيوخ من دار الفتوى والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى والمجلس المذهبي للموحدين الدروز في مشاهد فولكلورية باهتة، بل لكونه يهدف الى ادخال مفهوم المواطنة الى الخطاب الديني رسمياً.
والمعروف ان التعليم الديني ليس في يد الدولة من خلال وزارة التربية بل هو منوط بالمرجعيات والمؤسسات الدينية التي تضافرت لاطلاق هذا الدليل ليؤهل استاذ التعليم الديني لتقديم مادة وطنية في اطار حصة الدين.
أُطلق الدليل السبت بدعوة من مؤسسة “أديان” بالتعاون مع المؤسسات الدينية الرسمية وبدعم من وزارة الخارجية الدانماركية ومؤسسة “دانميسيون” في دير سيدة البير في بقنايا حيث عقدت ايضاً جلسات تدريب لاساتذة تعليم ديني على المفاهيم التي يتضمنها الدليل.
مرحلة تجريبية
وفي حديث لـ”النهار”، اكد رئيس مؤسسة “أديان” مدير المشروع الاب الدكتور فادي ضو ان “هذا الدليل يشكل استثناء في الظروف التي يمر بها لبنان والمنطقة، هو عمل نموذجي من التعاون والعمل المشترك بين المؤسسات الدينية. وتكمن اهميته في انه يبرز دور المؤسسات الدينية والخطاب الديني في موضوع المواطنة لتعزيزها وتعزيز قيمها. الخطوة المهمة هي ان المواطنة ستدخل الى الخطاب الديني، اي ان استاذ التعليم الديني سيحكي خطاباً وطنيا لتلامذته”.
وعن مضمون الدليل، قال: “هو موجه للتلامذة من عمر الـ7 سنوات حتى 18 سنة، يُدرّس الى جانب البرنامج المقرر ضمن حصة التعليم الديني، وفيه ايضا موارد يستعملها الشيخ او الكاهن لتحضير خطبة او عظة لجميع المؤمنين في الرعايا والمساجد اي انه لا يعود فقط بالفائدة على الصغار(…) المحور الاول هو مدخل الى المواطنة وقيمها (تعريف مشترك) ولائحة بـ11 قيمة مرتبطة بها. وقد اخترنا لهذا الكتاب، الذي سيكون جزءاً اول من سلسلة مقبلة، ثلاث قيم اساسية هي: قبول الآخر، العدل، احترام القوانين والعهود. ولكل قيمة من هذه القيم موارد ومراجع ليتحدث الاستاذ عنها انطلاقا من الانجيل او القرآن والاحاديث النبوية”.
واشار ضو الى ان “اطلاق الدليل ترافق مع تدريب مجموعة او عيّنة من 90 استاذ تعليم ديني كمرحلة اولى تجريبية، سنبني عليها لاحقاً لانتشار اوسع بعد تقويمها”.
وتحدث عن الدعم الدانماركي الذي لقيه المشروع “انطلاقاً من اهتمام الدانمارك ببرامج مماثلة لمواجهة موجة التطرف التي طالت حتى مجتمعها الذي لطالما اعتبر مجتمعاً متسامحاً، فبتنا نرى اليوم مقاتلين دانماركيين متورطين في الحوادث في سوريا”.
براء
وعرض خلال احتفال الاطلاق فيلم قصير عن شهادة الخبراء مؤلفي الدليل، وهم عن مجلس كنائس الشرق الأوسط: أستاذ اللاهوت في جامعة الروح القدس – الكسليك الأب الدكتور غابي هاشم، ومدير مكتب التربية المسيحية في مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس الأب نقولا سميرة، ومدير التربية الدينية في الكنيسة الإنجيلية الوطنية القس نبيل معمارباشي، مديرة مساعدة لمركز الدراسات والبحوث المشرقية فيوليت مسن. وعن دار الفتوى: رئيس دائرة التعليم الديني في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية الشيخ أسامة حداد، وعن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى: المنسق الإداري في مكتب الطلاب والشباب في هيئة التبليغ الديني الشيخ نعيم حازر، وعن المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز: رئيس المصلحة التربوية والدينية الشيخ فاضل سليم، وعن مؤسسة أديان: مديرة قسم الدراسات في التلاقي الثقافي الدكتورة نايلة طبارة وساريا خبصا والاب فادي ضو.
علامة رجاء!
وتعتبر “مؤسسة أديان” والقيّمون على المشروع أن “صدور هذا الدليل يشكل علامة رجاء وبصيص أملٍ في زمن كثرت فيه الصراعات والحروب في منطقتنا، وأصبح معظم مجتمعاتها يبحث عن إعادة بناء لوحدتها الوطنيّة على أسس جديدة وثابتة ومقاربة واضحة ومشتركة للمواطنة وقِيَمها”.
ففي مواكبة التفكّر عن ترسيخ أسس المواطنة الصحيحة في بلدان الشرق انطلاقًا من التنشئة على القيم الإنسانيّة، لا بدّ أن تفعّل المسيحيّة والإسلام دورهما البارزين، نظرًا لتأثير الفكر الدينيّ والتربية الروحيّة على المؤمنين، من جهة، وعلى التحوّلات في المجتمع العربيّ وفي أوطاننا، من جهةٍ أخرى. ولا ريب في أنّ هذا الدور للمؤسّسات والجماعات الدينيّة ينفي ما قد يتراءى للبعض من تناقضٍ بين قيم المواطنة والقيم الدينيّة، ويساهم في المقابل في تعزيز احتضان التنوّع ضمن المواطنة على أسسٍ إنسانيّة ودينيّة معًا. وتساعد أيضًا هذه المقاربة في تحرير الأديان من صورة التطرّف التي أُلصقت بها بسبب الذين ينتهجون العصبيّة وإقصاء الآخر ويمارسون العنف باسم الدين.
كذلك تُساهم هذه المقاربة في إبراز ما يحتويه التراث الدينيّ من موارد تدعم ثقافة التنوّع، وقبول الآخر على اختلافه. وتكتمل هذه المهمّة بسكب مضامينها في منهجٍ تربويٍّ متكافئٍ، يُخاطب المؤمنين بهدف تعزيز فهمهم لإيمانهم وقيَمه الحقيقيّة، خصوصاً في ما يتعلّق بالمواطنة والعيش معًا.
جويل رياشي / النهار