جبيل، مدينة السلام والتاريخ والعيش المشترك وثقافة الحياة، تتعرض، على غرار العديد من المدن في العالم، الى كمّ من الازمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتنظيمية، التي بدأت تؤثرعلى الحياة، وتنعكس على نمط العيش فيها. كيف تتأهب هذه المدينة القديمة- الحديثة لمواجهة الضغوط والتحديات المستقبلية خلال القرن الحادي والعشرين؟ ماذا ستفعل لحماية السلم الاهلي فيها والمحافظة على نسيجها الاجتماعي؟ كيف يتحضر المجلس البلدي لتكون جبيل مدينة مرنة ومحصنة؟ وماذا تخطط لجبه الصعوبات والازمات؟
لا تقتصر الازمات والكوارث التي تهدد المدن الحديثة على الزلازل والحرائق والفيضانات، بل تتعداها الى المشكلات والصعوبات المعيشية والطبيعية والانمائية والاجتماعية وغيرها، لتشكل ضغوطا تثقل كاهل المجتمعات، وتنعكس سلبا على تأدية الوظائف الاساسية، وتؤثر في نسيجها الاجتماعي، وآخرها، في لبنان، الاعداد الكبيرة للاجئين السوريين الذين اصبحوا يتهددون اقتصاده وديموغرافيته، وتحريك التطرف الديني ونيران الحرب المشتعلة في المنطقة التي تحاصر البلد وتهدده. كل هذه التحديات المستقبلية استنفرت المجلس البلدي لمدينة جبيل، “فقرر وضع خارطة طريق للسنوات العشرين المقبلة، لجعل مدينتنا اكثر امانا وقوة ومرونة، وقادرة على مجابهة المصاعب والازمات على المستويات كافة”، وفق ما يؤكده رئيس البلدية زياد حواط.
جبيل وروكفلر
لتحقيق هذا الهدف بطريقة علمية وتقنية تتيح لنا الافادة من خبرات من سبقنا من دول متطورة، انضمت جبيل الى برنامج (100 resilient cities) “مئة مدينة محصنة”، الذي ترعاه “مؤسسة روكفلر” العالمية، ويهدف الى “مساعدة المدن في كل انحاء العالم، لتصبح اكثر صمودا في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية التي تتزايد في القرن الحادي والعشرين”.
وبناء على استمارة رفعتها بلدية جبيل عبر الانترنيت الى “مؤسسة روكفلر” العالمية صيف العام 2013، اختارت لجنة التحكيم، المؤلفة من شخصيات عالمية مرموقة، بينها الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، ورئيس البنك الدولي، ورئيسة المؤسسة الدكتورة جوديث رودان، مدينة جبيل في كانون الاول 2013، بين اول 32 مدينة في العالم، الى جانب رام الله وسان فرنسيسكو وروما وبانكوك وغلاسكو وغيرها، لتشكل نواة شبكة عالمية لبرنامج “100 مدينة محصنة” في مواجهة الضغوط والصدمات، بتمويل منها.
مكتب الحصانة
ولم تتأخر بلدية جبيل في التجاوب العملي سريعا، فأقامت في شباط 2014 ورشة عمل لمدة يومين، دعت اليها 40 شخصية من المهتمين بالشأن العام ومن شخصيات المدينة وجمعيات المجتمع المدني ومهندسين واكاديميين واعلاميين ومن القطاع الخاص، لتعريفهم على البرنامج، والطلب اليهم المشاركة في وضع هذه الاستراتيجية، لكي لا تبقى قرارا بلديا منفردا، حتى لو كانت البلدية هي المسؤولة عن الادارة المحلية للمشروع.
التزاما منها بالشرط الاول من البرنامج، اعلنت في تموز تأسيس اول “مكتب لتعزيزالحصانة” في الشرق الاوسط، وعينت عضو البلدية طوني صفير مديرا له، يعاونه المهندس انطوني صفير، ليكون الرابط وصلة الوصل ما بين البلدية ومؤسسة روكفلر والمجتمع المدني. كذلك اتى وفد من “أروب”، وهي شركة هندسية ضخمة تجري دراسات لاستراتيجيات المدن، 4 مرات الى جبيل، وأجرى تقييما لأوضاع المدينة بناء على معلومات بيئية وديموغرافية أمنتها البلدية عن المدينة، من اجل المساعدة في وضع استراتيجية لها، وفي ايجاد الحلول لوضع المدينة الحالي.
وفي 10 كانون الاول المقبل ستأتي نائبة مدير المشروع والمسؤول عن المدن العشر لعقد مؤتمر صحافي والاعلان عن الاستراتيجية النهائية للمشروع في جبيل وخطوطه العريضة.
اهداف واستراتيجية
في لقاء مع “النهار” شرح طوني صفير برنامج عمل المشروع في جبيل الذي يقضي بـ:
1- مساعدة المدينة وتدريب الادارة المحلية، اي البلدية، وتدريب اعضائها على كيفية تكوين ووضع استراتيجية عمل على المدى الطويل والقصير والمتوسط، من اجل مواجهة الصدمات والضغوط من مختلف النواحي الاجتماعية والبشرية والبيئية والطبيعية.
2- تعليم المجلس البلدي الطريقة الامثل لادارة المدينة على المدى الطويل، ايا كان فريق البلدية.
3- تشبيك جبيل مع باقي المدن لتبادل الخبرات والتجارب والتعاون في معالجة المشكلات المشتركة.
ويلخص الاهداف التي ترمي اليها بلدية جبيل من وراء هذا المشروع بالعناصر الآتية:
* المحافظة على السلم الاهلي وتماسك النسيج الاجتماعي وتعزيز ثقافة الحياة فيها.
*حماية الارث الثقافي، وهو ما يميز جبيل عن المدن الاخرى، ولا يتمثل فقط بالقلعة والموقع الاثري، بل هو ايضا المدينة الحديثة والقديمة، والشاطىء، وعادات اهل المدينة وتقاليدها، مثل صيد السمك والحرف والحرفيين والحياة البسيطة الهادئة والمسالمة التي كان يعيشها الجبيليون.
– المحافظة على ما تبقى من بيئة المدينة، من انهر وأودية ومساحات خضر، تتعرض للتدمير بفعل الزحف العمراني والاسمنتي، وامكان استعادتها واستردادها، واعادة النظر في التنظيم المدني ودراسة تأثير الانسان في البيئة.
– التحصين الاقتصادي، بعدم الاعتماد على مورد واحد للمدينة فقط مثل السياحة، بل ان تصبح جبيل متعددة المورد وتتحول مركزا تجاريا، ومصرفيا، وثقافيا، فتضم عددا من المدارس والجامعات، وطبيا فتستقبل عددا من المستشفيات ومراكز البحوث العلمية، اضافة الى السياحة.
– اعادة التواصل ما بين المناطق التي فصل بينها الاوتوستراد والطريق الدولية، واقامة ممرات مائية وجسور مشاة متعددة، اي اعادة الوصل عاموديا وافقيا بين مناطق المدينة، ما يعيد التواصل الاجتماعي بين اهلها.
– استرداد الشاطىء من خلال ازالة التعديات والمخالفات، ووصله بطريق للمشاة.
ويختم صفير ان العديد من المشاريع التي سبق ان نفذتها البلدية تدخل في اطار الاستراتيجية المطلوبة، ومنها تأهيل سوق جبيل الذي انعش القطاع الاقتصادي وسوق المفرق، وانشاء الحديقة العامة، اللذين كان لهما انعكاس ايجابي قبل البدء بهذا المشروع. وسندرس المشاريع الجديدة، ليس من خلال شعبويتها، بل بما يضمن تنفيذ هذه الشروط ويساعد على تحصين المدينة، وخصوصا تسهيل حركة المعوقين وتنقلاتهم وعيشهم، وكل ما يساهم في بناء قدرة جبيل على الصمود، ويجعلها مرنة ومستعدة لمواجهة الصدمات والضغوط.