لم يعد تعليم اللغة العربيّة للنّاطقين بها سهلاً في هذا الزّمن، ولم تعد الوسائل التّعليميّة وطرائق التدريس القديمة ملائمة لأداء هذه العمليّة الصّعبة والشائكة. والنّتيجة أنّنا أصبحنا في حاجة إلى بدائل حديثة تواكب العصر وتساعد المعلّمين في الانتقال من الطّريقة التّلقينيّة القديمة إلى الطّريقة التفاعليّة الحديثة، وهذا ما يعزّز الفرصة عندهم لتطوير قدرات المتعلّمين ومهاراتهم التّواصليّة. وبما أنّ الدّولة غير قادرة على إطلاق مبادرة تحديث تعليم المادّة لأسباب معروفة، فقد ارتأت بعض المؤسّسات الخاصّة المعنيّة بالملفّ التدخّل وخوض التّجربة، ومنها إطلاق موقع «تواصل أونلاين» الإلكتروني لتعليم اللغة العربية عبر شبكة الإنترنت. وسرعان ما أصبح الموقع معتمدًا في مدارس عديدة منها المعهد الأنطوني ــ الحدت والإليزه ــ الحازمية والحكمة ــ عين سعادة والليسيه الفرنسية اللبنانية الكبرى وثانويّة ضهور الشوير الرسميّة، وفي معظم مدارس قضاء صيدا عبر الشراكة الفاعلة مع الشبكة المدرسية لصيدا والجوار. والتحضيرات جارية بحسب المؤسِّسين لاستخدامه في عدد كبير من المدارس الرسمية والخاصة بناء على إفادة من المركز التربويّ للبحوث والإنماء، تسمح باستخدامه كونه مفيدًا جدًا ونافعًا من الوجهة التربويّة، ومصدرًا من مصادر التعلّم والتّعليم الدّاعمة للّغة العربيّة كما ورد في نصّ الإفادة.
الموقع ليس بديلاً من الكتاب كما يقول أحد المؤسّسين باتريك رزق الله، لكنّه برنامج موجّه يتضمّن تدريبات تفاعليّة تساعد المتعلّم في اكتساب المعلومات وتطوير مهاراته باللغة العربيّة من خلال الأنشطة الإلكترونيّة، كتمرين الاحتمالات وتمرين المربّعات وضبط أواخر الكلمات إلكترونيًّا، بالإضافة إلى التّقطيع العروضي وغيرها من التّمارين. وفي ما يتعلّق بالمواد، فالموقع يتضمّن نوافذ عديدة منها ما يختصّ بدراسة النصّ، وتتضمّن نصوصًا حديثة لكتّاب معاصرين يتمّ استثمارها تعليميًّا وتربويًّا. وهذه النّصوص لاقت استحسانًا كبيرًا عند المتعلّمين بحسب رزق الله لأنّها تطرح مواضيع وأفكارًا جاذبة لاهتمام المتعلّم الذي يعيش في قلب العصر. ومن «دراسة النصّ»، ننتقل إلى نافذة «النّصوص المسموعة» والتي يعمل المتعلّم من خلالها على تطوير مهاراته في القراءة المعبّرة عبر الاستماع إلى نصوص حديثة تمّ تسجيلها بعناية مطلقة. ونضيف إلى ذلك نافذة «أساليب التّعبير» حيث يستخدم المعلّم ملفّات صغيرة الحجم لا يتعدّى كلّ منها الدّقائق الثلاث لعرض الدّرس مصوّرًا وبطريقة نموذجيّة. أمّا دروس القواعد فقد تمّت معالجتها بطريقة حديثة جدًّا حيث يستطيع المعلّم تسيير الدّرس وفق شريط من الصّور المُواكِبة للشرح والتّفسير وبطريقة استقرائيّة ومنهجيّة محبّبة تسهّل على المتعلِّمين فهم الدّرس، وبخاصّة أنّ معظم المتعلّمين يجدون صعوبة في فهم دروس القواعد وتطبيقها وفق الأصول. وفي هذه النّافذة لدينا تمرين تشكيل أواخر الكلمات بالحركات المناسبة إلكترونيًّا على أن يحدّد الكمبيوتر الإجابة الصّحيحة والإجابة الخطأ. ومن القواعد إلى الشعر، وفيها شرائط مصوّرة عن شرح الأوزان الخليليّة مرفقة بتمرين التّقطيع العروضي إلكترونيًّا بمراحله كافّة. وتنتهي هذه النوافذ بمعجم إلكترونيّ حديث يتيح للباحث فهم المعاني بسهولة تامّة. هذا بالإضافة إلى النّوافذ التّثقيفيّة المعاصرة وتتضمّن آخر الأخبار والمقالات في الصّحف اللبنانيّة والعربيّة، سير حياة الكتاب والأدباء المُعاصرين ومن العصور الأدبيّة القديمة، إلى آخر الكتب والإصدارات في دور النّشر.
ويحرص رزق الله على التّأكيد أنّ فريق تطوير الموقع يضمّ أساتذة جامعيّين ومنسّقي دروس المادّة في عدد من المدارس، وهو يستقبل ملاحظات المعلّمين واقتراحاتهم، ويعمل على مراجعتها باستمرار. كما يقوم الفريق بتنظيم ورش عمل تدريبيّة مجّانيّة للمعلّمين كجزء من الأهداف التي يعمل على تحقيقها تماشيًا مع الدّخول أكثر فأكثر في الحداثة والتطوّر. ويضيف أنّه بادر مع مجموعة من المعلّمين إلى تأسيس «تجمّع معلّمي اللغة العربيّة وآدابها»، ليكون إطارًا جامعًا لتبادل الهموم والأفكار والتطلّعات والعمل على تنفيذ المشاريع الهادفة إلى التّحديث والتّطوير على صعيد تعليم اللغة.
ويختم رزق الله بالقول إنّ اللغة العربيّة هي اليوم ضحيّة انكفاء الجهات المعنيّة عن تطويرها وتفعيل حضورها على شبكة الانترنت وغيرها من وسائل التواصل، كما هي ضحيّة الظروف الاجتماعية التي هيّأت جميع السّبل لدخول اللغات الأجنبيّة على حسابها. لكنّنا، يقول رزق الله، سنعمل بكلّ جهد على تثبيت دورها كأداة حضاريّة أصيلة لتوليد الجمال والتعبير عن القيم والأخلاق برقيّ واحترام.
«تواصل أونلاين» مدرسة «افتراضيّة» لتعليم لغة الضاد
سارة ضاهر / السفير