ريما عبد النور / موقع أخبار للنشر
عادة شراء الجرائد مع كل اشراقة شمس أصبحت موضة قديمة ندُر وجودها ليحلّ مكانها عادة دخول الانترنت والاطلاع على آخر التطورات بكبسة زر . وعلى الرغم من غنى المعلومات والتحليلات التي تغدقها الصحف على قرائها ، الا أنّ اغراءات الاعلام الالكتروني ساهمت في خطف أضواء الشهرة من الاعلام المكتوب.
نتيجة لذلك، يتحسّر عاشقو الصحافة المكتوبة على ‘أيام زمان’ ، وعلى أمجاد صنعها أهل القلم والفكر. أكبر مخاوفهم تتمثل في استمرار تزايد شعبية الاعلام الالكتروني على حساب الصحف التي تحوّلت الى ضحية بعد فقدان بعضا من رونقها ما أثر سلبا على نسبة مبيعات أهم الصحف وأكثرها عراقة .
في الجامعة ، ولدى المقارنة بين أنواع الاعلام وفئاته ، يقول دكاترة الاعلام لطلابهم أنّ الباحثين عن التحليل العميق للأحداث هم عشاق الجرائد. هذه الفئة محدودة ولكنها تضمّ نخبة من أهل الثقافة وكل متابع ملمّ بكواليس السياسة وأسرارها. ولعلّ هذه القيمة التي يصعب على معظم المواقع الالكترونية تأمينها هو ما يجعل الصحف صامدة في وجه الأزمات التي تهدد وجودها .
بالمقابل ، تعجز الصحف عن توفير الكثير من امتيازات المواقع الالكترونية التي تمثّل نمط الحياة السريع والسهولة في الحصول على الخبر .
ينجذب المتلقي الى المواقع الالكترونية بفضل السرعة في نقل آخر التطورات لحظة بلحظة ، فيما يضطر الى الانتظار 24 ساعة للاطلاع على الأخبار عبر الجريدة . ميزة أخرى تتوفر في الاعلام الالكتروني ولا تتواجد في الصحف. هي ميزة التفاعل الذي مكّن رواد المواقع الالكترونية من التعليق على الأخبار وابداء أرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، حتى أنهم تحولوا أحيانا الى مصدر للمعلومات.
ومن أهم الميزات التي توفرها المواقع الالكترونية ، تبرز خدمة الفيديوات التي تنقل المشاهد مباشرة الى موقع الحدث، بالاضافة الى القيام ب’جردة’ لأهم المواضيع المطروحة عبر الصف أو المحطات التلفزيونية وهو ما لا تفعله الصحف بحكم المنافسة فيما بينها .
النجاح الذي حصدته المواقع الالكترونية ، رغم أنه نجاح يعمّه أحيانا الفوضى في المعلومات والسطحية في معالجة القضايا ، أثار غيرة الصحف. فكان الحلّ لضمان الاستمرارية ، أن يكون لكل صحيفة تقريبا موقع الكتروني خاصا بها. انتقلت المنافسة الشرسة الى الشبكة الالكترونية . كلّ وسيلة تريد أن تكسب أكبر قدر من المتصفحين وهو ما تطلّب من الصحف التحرّر من استراتيجيات الصحافة ‘التقليدية’ واجراء تغييرات كثيرة على أسلوبها . تغيرت العناوين فأصبحت جاذبة يكتنفها الغموض ، أما الصور فهي صور معبّرة ومؤثرة تدفع القارئ الى الضغط على رابط الخبر أو المقالة . بدورها ، الأخبار التي تثير الغرائز الجنسية ، بالاضافة الى الفضائح السياسية والفنية والاجتماعية أصبحت تحتلّ حيزا واسعا من مساحة الأخبار على قاعدة ‘الجمهور عايز كده’.
اذاً، تحررت الصحف في نسختها الالكترونية من الجمود فبثت الحيوية في أخبارها وواكبت أذواق القراء. وبالانتقال الى الفضاء الاكتروني اللامحدود ، تجنبت الصحف خسائر فادحة وكسبت شعبية باعتبار أن رواد الانترنت يفوقون عدد قراء الصحيفة الورقية بمئات الأضعاف . أما التحدي الأكبر الذي تواجهه الصحف والذي يفوق بأهميته كل التحديات يكمن في أن لا يتحول هاجس الانتشار لديها الى فخ يغيّر هويتها ويفقدها هيبتها التي تكوّنت بعد تاريخ حافل بالانجازات .
وفيما يستمر السباق بين الاعلام المكتوب والالكتروني ، يروّج البعض لفرضية زوال الصحف المطبوعة في المستقبل ، في حين يردّ آخرون أنّه من المستحيل الاستغناء عن الصحف أكانت من حبر وورق أم موجودة عبر الفضاء الالكتروني . يستند هؤلاء في تعلّقهم بالصحف الى كون الأخيرة الأحقّ في النجاح لأنها أصل كل عمل صحافي ، كما أنّهم لا يحتملون مجرّد التفكير في امكانية حرمانهم يوما ما من لذّة مطالعة الجريدة تحت ذريعة اللحاق بركب التكنولوجيا.