ربما يستهجن البعض عنوان المقالة، متسائلاً كيف يمكن أن نتّخذ «حلو المغلي» في شرح حقيقة إيمانيّة؟ إنه ليس بإختراع، بل هي طريقة مألوفة نجدها في كتابات آباء السريان، أولهم القديس أفرام السريانيّ، الذي قدّم الحقائق الإيمانيّة بشكل مبسّط وعميق، ليتسنى للمؤمنين إقتناء فهم روحيّ قويّ ومتين يساعدهم في الثبات على حقيقة الفرح المسيحي. فمن العناصر التي إستعملها أفرام: حبة القمح [الثالوث]؛ الخشب [الصليب/الفداء]؛ أجنحة النسر [علامة الصليب]؛ الزهور[القيامة]؛ والمقلاة- النار [حضور الروح القدس في الكنيسة والأسرار]؛ والخضار [الإرادة الضعيفة]، والمرّ والحلو [الداء والدواء] إلخ.
ونحن على مثال القديس أفرام، إتخذنا عادة تقديم [حلو الملغي]، كعلامة بسيطة ننطلق من خلالها، في التعرّف على حقيقة فرحنا بالمولود قبل كل الدهور.
1- معنى الكلمة
المغلي كلمة مشتقة من فعل “أَغْلَى” والإسم مُغلى. وأغْلَتِ الْمَرْأَةُ القِدْرَ أي جَعَلتْ مَا فِيهَا يَفُورُ ، يَغْلِي” (قاموس المعاني الإلكتروني) ومنها إشتقت كلمة المغلي.
2- مغلي وبارد؟
كيف يمكن أن يكون مغليا، ويأكل باردا؟ وما هو الرابط بينه وبين الميلاد؟ المسألة هينة وبسيطة. المسيح هو جوهر الله الآب وإشعاع مجده (راجع عب 1: 3) وهو نور العالم (يو 9/12)، النار الآكلة فمَن يدنو منه يحترق- يموت (راجع خر3:2 و 19: 24؛ 1مل18: 38 و 2مل 1: 10). ففي التجسد تواضع الله حتى الإمحاء الإختياري فاحتجب اللاهوت في الإنسانية (راجع يو1: 14) فأصبح الله في متناول الجميع خبز الحياة والدم المحيي (راجع يو 6: 35؛ لو 22: 19- 20). فالعائلة مدعوة على غرار المجوس (راجع لو2: 8) والرعاة (راجع لو 2: 18) أن تغلي بغليان نار الروح القدس (لو12: 49) فتنشر بشارة الفرح في مجتمعها ورعيتها ووطنها (راجع 2: 1- 13؛ و 2: 42- 47).
أتت العادات والتقاليد لتعبّر عن هذا الحدث العظيم بما فيهم عادة تقديم مغلي العيد.
3- مغلي لونه بني؟
تكشف لنا أيقونة الميلاد وجه يسوع الطفل، فلونه مائل إلى البني الداكن والمشع في آن معا. أي أن الله الذي اتّحد بطبيعتنا البشرية، حولها إلى طبيعة مؤلهة (القديس إيريناوس). لهذا يدلنا لون “المغلي” نحو هذه العلامة المتواضعة. فعندما تأكل المغلي تذكّر حقيقة إنسانيتك أنك عليك ان تغلي بمحبة يسوع (راجع لو 24: 13- 35).
4- المغلي والبهار؟
إن دور البهار هو تطيب المأكولات والحلويات، فلا يمكن أن نتناول البهارات لوحدها لأن طعمها سيكون حاداً ومؤذياً. البهار هو المكون الرئيسيّ “للمغلي” يوضع في الماء، ويغلى على نار هادئة ويضاف له السكر والمطيبات. هكذا المسيح بتجسده، تذوقنا به وفيه ومعه طعم الملكوت، فمعه يتحول حزننا إلى فرح وألمنا إلى عزاء وعزلتنا إلى لقاء، وموتنا إلى حياة، فتحلو حياتنا بالمسيح وتغلي بألوهة الحب الإلهيّ (راجع روم 8: 31- 38).
5- القلوبات – الأبيض
اللوز والزبيب هما أهم القلوبات التي تزين أطباق المغلي. يُعد اللوز من الأشجار التي تدل على انتهاء الشتاء وبداية فصل الربيع، أي فصل تجدّد الطبيعة، إنها رمزيّة القيامة. أما شجرة اللوز فترمز في الكتاب المقدّس إلى سهر الله وعنايته في تحقيق وعوده(راجع إرميا 1: 11- 12). أما الزبيب فهو يرمز إلى ديمومة بركة الله للبي . ثم نجد على سطح طبق المغلي، “جوز الهند” لونه أبيض، إنها رمزية النقاوة والبراءة «طوبى لأنقياء القلوب، فإنهم يشاهدون الله» (مت 5: 8).
خلاصة روحيّة
تنقلنا عادة تقديم «حلو المغلي» في عيد الميلاد أو عند ولادة أي طفل/ة، إلى حالة التفكّر الجديّ في دعوة أجسادنا أن تغلي بنار الروح القدس، حرارة تشفي أجسادنا من موت الصقيع (القديس أفرام السرياني)، فعندها تزهر في نفوسنا أزهار الأفراح السماويّة. نقاوة قلب مرآة صافية تعكس صفاء قلب الطفل الإلهيّ.
ألف صحتين
زينيت