خاص – “ليبانون ديبايت”: محمد كوثراني
يشكل المسيحيون في سوريا من 8 إلى 10% من مجموع السكان البالغ عددهم نحو 24 مليون نسمة، بعدما كانوا يعدون في اوائل القرن العشرين حوالى 30% من السكان، وقد تضاءل عددهم نتيجة الهجرات المتتالية وقلة الولادات مقارنة مع الطوائف الاسلامية.
ينتشر المسيحيون تقريباً على كامل الأراضي السورية وبأغلبيتهم من الطائفة الارثوذكسية. المسيحيون شكلوا عشية اندلاع الازمة اكثر من 20% من سكان محافظة الحسكة وبأغلبيتهم من السريان والارمن والاشوريين والكلدان، مع تواجد مهمة في كل من مدينتي الرقة ودير الزور شرقاً.
كذلك يشكل المسيحيين حوالى 10% من سكان مدينة حلب نصفهم تقريباً من الارمن، وحوالى 8% من سكان ريف حماة وخصوصاً في بلدتي محردة والسقيلبية وبعض احياء مدينة حماه. وينتشر المسيحيون أيضاً في بعض قرى ريف درعا جنوباً وهم من الكاثوليك وريف ادلب شمالاً وبعض قرى ومدن الساحل السوري.
كما ينتشر المسيحيون في بعض احياء العاصمة السورية دمشق كالقصاع والقصور وباب توما وباب شرقي والطبالة وفي ريفها الشمالي الشرقي كيبرود ومعلولا وصيدنايا وفي بعض بلدات الغوطتين الشرقية والغربية.
أما في محافظة حمص يشكل المسيحيون نسبة مهمة وينتشرون في بعض أحياء مدينة حمص كالحميدية وبستان الديوان والارمن والمحطة وضاحيتي فيروزة وزيدل، كما يشكلون حوالى 60% من سكان وادي النصارة في ريف حمص الغربي، كما توجد اعداد كبيرة في ريف حمص الجنوبي كصدد والقريتين وربلة.
مع بداية الازمة السورية في آذار 2011 بدأت اعداد المسيحيين تتضاءل نتيجة الهجرة والنزوح بسبب ما تعرضوا له كباقي اطياف الشعب السوري من الاضطهاد والتهجير وبسبب المعارك التي دارت بين اطراف النزاع.
لقد بدأت اولى طلائع هجرات المسيحيين عندما هاجمت المعارضة السورية المسلحة مدينة حلب شمال البلاد والتي تحتضن اكبر عدد من المسيحيين في البلاد، فقد ترك اكثر من ثلثهم احيائهم وتوجهوا خارج المدينة، فالارمن مثلاً بلغ عددهم عشية الأزمة أكثر من 65 الف شخص اما اليوم فعددهم لا يزيد عن 30 الفاً ولا تزال الهجرة هدف الكثير من مسيحي المدينة التي تعتبر أكثر البقاع سخونة في سوريا.
بعدها، بدأت تكر سبحة هجرات المسيحيين نتيجة المعارك خصوصاً في حمص القديمة ومنطقة القصير، ففي حمص القديمة هُجر ما يزيد عن 30 الف عائلة مسيحية، لم يعد اليها اليوم بعد انتهاء المعارك سوى 500 عائلة فقط. اما في ريف دمشق وتحديداً في القلمون فقد هُجر عدد كبير من مسيحي مدينة يبرود التي كان يشكل المسيحيون ربع سكانها، كما هُجرت مئات العائلات المسيحية من بلدات معلولا وقارة والنبك المجاورة.
وفي حماه ترك نصف المسيحيين تقريبا المدينة نتيجة الاوضاع غير المستقرة، وفي ريفها الشمالي تعرضت بلدة محردة التي تحوي حوالى 22 الف مسيحي ارثوذكسي لهجمات عدة من اجل السيطرة عليها من قبل جبهة النصرة قبل ان تفشل تلك العمليات وقد خسرت محردة خلالها عدد كبير من شبابها.
وفي ريف اللاذقية الشمالي تعرضت بلدة كسب الارمنية على الحدود مع تركيا لجهوم عنيف من قبل جبهة النصرة ترك خلالها نحو الفي مسيحي البلدة ونزحوا نحو مدينة اللاذقية ولبنان وبعد اعادة السيطرة عليها من قبل الجيش السوري لم يعد اليها اكثر من 30% من سكانها.
الضربة الأكثر ألماً للمسيحيين كانت في المنطقة الشرقية من سوريا بعد سيطرة داعش عليها حيث هُجر الآلاف من المسيحيين من مدن الرقة والثورة ودير الزور، حتى انه لم يتبق في مدينة دير الزور سوى خمس عائلات مسيحية. وفي محافظة الحسكة ترك آلاف المسيحيين مناطقهم بعد سيطرة داعش على اجزاء كبيرة من المحافظة، ففي مدينة القامشلي التي كانت تحوي اكثر من 10 آلاف مسيحي بقي اليوم اقل من 5 آلاف واغلبيتهم يفكر بالرحيل، وكذلك مدينة الحسكة التي كانت تحوي اكثر من 25 الف مسيحي وبلدة تل تمر التي هُجر العدد الاكبر من سكانها المسيحيين ومدينة رأس العين التي لم يعد اليها بعد استعادتها من قبل وحدات الشعب الكردي سوى 50 عائلة من اصل 500 عائلة تركت المدينة نتيجة المعارك، وغيرها الكثير من القرى المسيحية التي احتلتها داعش وهجرت سكانها، وتفيد المعلومات الى ان اكثر من 30% من المهنيين واصحاب الاموال والحرفيين في محافظة الحسكة وحدها غادروا مع عائلاتهم نسبة المسيحيين منهم لا تقل عن 80% تاركين ورائهم بيوتهم واراضيهم وممتلكاتهم.
وما زاد من هجرة المسيحيين أيضاً هو عمليات القتل والخطف التي تعرضوا لها، حيث تشير الاحصائيات الى مقتل ما لا يقل عن 1500 مسيحي خلال الازمة وخطف مئات الشبان والشابات على يد تنظيمات متطرفة.
وخطف خلال الازمة العديد من رجال الدين المسيحيين امثال مطراني حلب بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم وراهبات دير مار تقلا في معلولا، وقتل الاب فان درلوغت في حمص القديمة والكاهن دالوليو في الرقة والراهب فرنسيس مراد في ادلب. كما تم تفجير وتدمير العديد من الكنائس كأم الزنار في حمص وشهداء الارمن في دير الزور والكنيسة الانجيلية في حلب فضلاً عن تخريب العديد من الكنائس في معلولا والرقة وحلب وحمص وادلب.
في مقابل ذلك تمسك العديد من المسيحيين بقراهم ومدنهم، وقاموا بإنشاء مجموعات ولجان شعبية مسلحة لحماية مدنهم واحيائهم، وهذا ما حصل بالفعل في القامشلي والحسكة وفي بعض احياء حلب، وما ظهر جليّاً أيضاً في بلدة محردة في ريف حماه وبلدة صيدنايا في ريف دمشق، فقد اظهر شبان هذه البلدات المسيحية مقاومة شرسة للدفاع عن بلداتهم ضد هجمات الجماعات المسلحة.
تشير بعض الاحصائيات الى ان عدد المسيحيين الذين هاجروا خارج البلاد او الذين نزحوا عن مدنهم وقراهم بلغ حوالى نصف مليون مسيحي. وامام هذا الواقع لا بد من طرح علامات استفهام حول مستقبل المسيحيين في سوريا.
ان ما جرى ويجري في سوريا ودول الجوار وخصوصاً العراق وفلسطين يضع مسيحي سوريا امام موقف لا يحسدون عليه ويدفعهم الى القلق على مصيرهم في ظل ضبابية الوضع الداخلي السوري وفي ظل تضاؤل اعدادهم نتيجة الهجرة والاغراءات المقدمة لهم من الدول الغربية لتشجيعهم على الهجرة اليها.
وبناءً على ذلك يتبين بأن هناك مخطط مدروس لتهجير المسيحيين من سوريا وهو مخطط تدعمه وتغذيه وتموله فئات اقليمية ودولية، هدفها خلق اكبر قدر من التمزيق والتفريق. المخطط يستهدف تفتيت الدول المحيطة بفلسطين وتحويلها لدويلات طائفية متناحرة واغراء المسيحيين بالهجرة الى الغرب للحفاظ على حياتهم، وكل ذلك بطبيعة الحال يصب في مصلحة اسرائيل، فكلما كانت الدول المجاورة لها ضعيفة كلما تدنت نسبة التهديدات التي تحيط بها وامكنها ذلك من اقامة دولتها اليهودية.
ان سوريا ليست المكان المناسب لإقامة دولة دينية لأنها بالاساس تتكون من خليط ديني وجماعات واجناس مختلفة، وهذا ما سيحاول المسيحيين جاهدين تفهمه لقبول هذه التطمينات. ان مستقبل المسيحيين كمستقبل سوريا غامض ومصيرهم غير معروف، وهذا ما ينطبق أيضاً على باقي مكونات الشعب السوري دون استثناء.