يسأل أحد الأكاديميين عن المعايير العلمية والبحثية في كلية الآداب – الفرع الأول في الجامعة اللبنانية في الأونيسكو، وكيف يتراجع موقع الفرع أو الكلية الأم، وينحدر المستوى الأكاديمي، وهو الذي خرّج الألوف من الباحثين وبينهم أسماء معروفة في اختصاصات عدة، ليحل مكانهم حملة الشهادات، في وقت تظهر الى العلن مخالفات أكاديمية يمارسها البعض في الفرع، وتحمّل مسؤوليتها لآخرين.
قررت ادارة الفرع، وهو الأول لكلية الآداب إلغاء اللغتين السريانية والعبرية لأسباب أعادتها مديرة الفرع لعدم وجود طلاب يتابعون المادتين، علماً ان الكلية استحدثت في الفرع الأول فقط، منذ عامين، قسم اللغة الفارسية الذي أصبح يوازي قسم اللغة الفرنسية وقسم اللغة الإنكليزية على مستوى الإختصاص، في حين أن السريانية والعبرية كانتا على مدار أربعين عاماً من اللغات الحية المطلوبة في اختصاصات عدة في الكلية الأم، والتي أصبحت في ما بعد الفرع الأول بعد إنشاء فروع في المناطق.
لكن المشكلة في الفرع لا تقتصر على إلغاء مادة من هنا أو هناك، رغم أهمية هذا الأمر في المعايير الأكاديمية وفي تاريخ الكلية، إذ يسأل أكاديميون واكبوا الكلية في اختصاصات العلوم الإنسانية عن تراجع المستوى الأكاديمي واهتزاز المعايير التي كان الفرع الأول يتميز بها، ويسألون عن السبب في تراجع أعداد الطلاب في الإختصاصات كافة، عندما لا نجد عدداً كافياً منهم في اختصاص الفلسفة أو الآثار أو الأدب الفرنسي، حتى أن التراجع شمل اختصاص اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، أكثر من النصف، في الوقت الذي كان فيه الفرع واحة للحوار والنقاش والنشاطات الثقافية، ليتحول جامداً من دون أي مبادرة لتفعيل العمل الأكاديمي وامتداداته الثقافية. وقد نجت مكتبة زاهية قدورة في مبنى كلية الآداب – الفرع الأول من نقل محتواها الى غرفة جانبية جراء الخلاف على استحداث مكتب لمديرة الفرع وداد الديك بعدما أصر العميد الجديد الدكتور نبيل الخطيب الذي كان مديراً سابقاً للفرع على الاحتفاظ بمكتبه، لولا تدخل بعض الأكاديميين والأساتذة للمحافظة على المكتبة ورمزيتها، ليستحدث العميد مكتباً صغيرا له الى جانب مكتبه الأساسي في العمادة.
وتبقى المعايير الأكاديمية والتعليمية هي الأساس، إذ تسأل المديرة عن تجاوزات ومخالفات حصلت وتحصل في الفرع. ومن الأمثلة على ذلك، كيف أن طالبة كانت في الأساس تعمل في شركة خدمات، تمكنت من النجاح في مواد أساسية. سرّب الى المديرة تسجيل أن 3 أساتذة مرروا لها الأسئلة قبل امتحان إحدى المواد، وعندما أنهته نجحت بعلامة 50 على 60 مصادق عليها من 3 أساتذة. وبعد الضجة أحيل ملف الطالبة ومسابقتها الى التدقيق مع رئيس قسم في الفرع الثاني للكلية، فكتب تقريره الذي يقول فيه إن مضمون مسابقة الطالبة لا يتلاءم مع العلامة، ولا يمكن وضع أكثر من 10 على 60. لكن المديرة حملت رئيس القسم المسؤولية وعاقبته بدعم العمادة، ونقل الى فرع البقاع نهائياً، وثبتت نجاح الطالبة.
ويروي أساتذة عن عملية تزوير، حين وضع استاذان علامة 63 على 100 لطالب في اللغة العربية لم يتقدم الى الإمتحان، وعندما وصل الأمر الى المديرة بشكوى رسمية تعهدت حل الموضوع، لكن النتيجة ان الطالب نجح من دون أن تتخذ المديرة أي قرار بالتدقيق في الموضوع.
ويسأل أساتذة ايضاً عن موازنة الفرع، وعن أموال تصحيح المسابقات ومراقبة الامتحانات، والأموال التي تصرف على الملحقات، وكيف أن عدداً من الموظفين يتولون المراقبة ويقبضون من موازنة هي في الأصل مخصصة للأساتذة؟ في حين أن الصرف يبقى هو ذاته برغم تناقص أعداد الطلاب في الفرع الى أكثر من النصف. وأيضاً كيف يتم استحداث مناصب جديدة في الفرع الأول، منها منصب مديرة مكتب المدير على عهد العميد الحالي، مهمتها مراقبة الأساتذة ورؤساء الأقسام، ثم إصدار مذكرة بموظفة دخلت على الكلية على اساس موظفة سنترال، عينت كأمينة للسر، وغيرها من القرارات التي تسيّر الفرع بعيداً من الإلتزامات الأكاديمية. وهو أمر اضطر أساتذة الى نقل ما يحصل الى رئاسة الجامعة للتعجيل في معالجة الموضوع.
وهناك اعتراض أكاديمي على موقع مديرة الفرع، التي عينت أخيراً وفق الكوتا السياسية في الجامعة. ويقول أساتذة إن المشكلة هي في المستوى الأكاديمي وإدارة الفرع الذي كان يضم أكبر عدد من الطلاب في الجامعة اللبنانية. يسألون كيف يمكن تحويل 15 رسالة ماجستير الى المديرة لتشرف عليها. وهي التي سألت طلابها في دورة الإمتحانات الفصلية 2012 (الفصل السادس) اسم المقرر “الصراع العربي – الاسرائيلي”: ان اتفاقية القاهرة عام 1960 هي التي تسببت بقيام العمل المسلح الفلسطيني… وسؤال ثان: اشرح السبب الاساس للإعتداءات الإسرائيلية على لبنان وهو المياه… وفي سؤال للفصل الرابع 2012 (تاريخ لبنان الحديث): تميز النظام الاقطاعي في العهد المملوكي في أواخر القرن التاسع عشر… وقد تسببت هذه الأسئلة بمشكلة بينها وبين الطلاب، لم تحل الا بتدخل جهات حزبية. ويكشف أساتذة كيف ان أحد الأساتذة الجامعيين المتفرغين نقل الى كلية أخرى هي التربية بسبب موقفه من المديرة.
وفي وقت عمم رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين على الكليات الدعوة الى إجراء انتخابات المديرين في الفروع، يطرح عدد من الأساتذة ضرورة إعادة تطوير الفرع الأول، الكلية الام في الجامعة من مدخل الإدارة بالدرجة الأولى. علماً أن نقاشاً يدور في “تيار المستقبل” عن موقع كلية الآداب التي باتت وفق التوزيع الطائفي في العمادات والمديرين للسنة بدلاً من كلية العلوم، فلماذا لا يكون هذا الفرع معلماً ثقافياً أكاديمياً يستحضر كل ما أرساه تاريخياً في العلوم الإنسانية في الجامعات؟ ومن هذا المدخل معالجة كل التجاوزات، ومن بينها التعيينات والمناصب اللاأكاديمية في الفرع، لنعرف أن أسماء أكاديمية معروفة في التاريخ والفلسفة واللغة العربية وغيرها، وهي أسماء لا تزال تمارس عملها الأكاديمي، بدأت تتحرك لإعادة ترتيب العمل الاكاديمي في الكلية ولاستعادة الفرع الأول دوره التاريخي في التعليم الجامعي.
ابراهيم حيدر / النهار