لا يقتصر تهميش المسيحيين على شغور موقع رئاسة الجمهورية، بل يطال غالبية المؤسسات العامة، وتظهر جردة العام 2014 ارقاماً مقلقة عن حضور المسيحيين في القطاع العام والذي يفترض أن يمثل أحد أوجه الميثاقية والعيش المشترك، في بلاد أعترف الجميع بوحدتها في اطار تنوع يمكن أن يشكل حلاً لمشكلات عربية عدة.
في أسباب استمرار التهميش على ما يقول الاب طوني خضرا المشرف على مؤسسة “لابورا” التي تعنى بتوجيه الشباب وتوظيفهم في القطاعين العام والخاص، مشكلة انعدام التخطيط لدى الاحزاب المسيحية في موازاة الجهوزية الكاملة لدى الاحزاب الاخرى، الى جانب القصور الكبير في أداء الكنائس ومؤسساتها وتردد لجنة المتابعة النيابية المارونية المكلفة من بكركي بمتابعة قضايا التوظيف في القطاع العام. ويضاف الى كل ما سبق من “كوارث” ما يقوم به مجلس الخدمة المدنية من “عرقلة” لوصول المسيحيين الى وظائف القطاع العام والفوز في مبارياتها. على ما يقول الراهب الانطوني خضرا.
في ميزان التوازن الطائفي يشيد خضرا، بأداء جهاز الامن العام الذي يحافظ على المناصفة في تعيين العسكريين الجدد، ويشيد أيضاً بقوى الامن الداخلي التي حققت نسبة توازن لا بأس بها وتعمد الى تطويع المزيد من العناصر على قاعدة احترام مبدأ المناصفة. أما في أمن الدولة فالمناصفة محترمة منذ مدة طويلة، ليبقى الجمارك الذي تشير ارقام “لابورا” الى اختلال في مبدأ المناصفة فيه وخصوصاً في السلك العسكري للجمارك حيث لا تتجاوز نسبة المسيحيين 24 في المئة. أما الحديث عن المناصفة في المؤسسة الوطنية الاكبر أو الجيش فيلقي خضرا باللائمة على الكنيسة والاحزاب والقيادات المسيحية مجتمعة والتي لا تقوم بدورها في تشجيع الشباب على التطوع والانضواء.
ويقود الكلام على القيادات المسيحية وعدم ادراكها عاقبة التردد في ملف التوظيف في القطاع العام الى المشكلة الاكبر، اي غياب المرجعية الموحدة للمسيحيين واصرارهم على التعامل مع الموضوع بفئوية وحزبية ومذهبية، الى جانب انشغال ممثلي المذاهب بأقتناص المواقع. ويشير خضرا الى أن المرجعيات المسيحية لا تستطيع شيئاً لوقف اجراء بسيط على غرار مشروع قانون ترقية 360 رتيباً الى رتبة ملازم في قوى الامن الداخلي. ويقول ان 40 رتيباً فقط هم مسيحيون والمسلمون 320 مما يعني الكثير في مسيرة التوازن الوطني في هذه المؤسسة. ويشرح أن النواب اسطفان الدويهي (“المردة”)، وألان عون وغسان مخيبر (التيار الوطني الحر)، ونديم الجميل (الكتائب) وجوزف معلوف (“القوات”) وغيرهم وقعوا مشروع القانون من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة الاسماء والتأكد من الاجحاف اللاحق بالمسيحيين.
وتبقى المشكلة الاكبر في رأيه في اداء مجلس الخدمة المدنية الذي يعمل على التصدي لحركة “لابورا” والكنيسة في سعيها الى أعادة التوازن الى مؤسسات القطاع العام المدنية. ويشرح خضرا استناداً الى لوائح مفصلة أن نسبة نجاح المسيحيين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية بلغت في المرحلة السابقة حوالى 43 في المئة، الا أن الامور تغيرت اخيرا، مع تراجع نسب فوز المسيحيين في امتحانات المجلس الى 15 في المئة فقط. وكانت آخر الضربات التي نزلت بالمسيحيين في مباريات المجلس فوز 41 متبارياً من أصل 208 فائزين في دورة مدخل المعلومات، نتيجة سياسة “جحا قوي على ابن خالته”.
وما تقدم ليس الا غيضاً من فيض مما يتعرض له الحضور المسيحي في القطاع العام للدولة تحت أعين الكنيسة والزعماء والاحزاب وما تبقى من مجتمع مدني. وعملية سحب البساط مستمرة.