فرضت الحرب على السوريين طقوساً وعادات، من طرق توفير أدوات الإنارة، إلى تأمين وسائل التنقل مثل الدراجات الهوائيّة، بالإضافة إلى تأمين وسائل للحصول على الأخبار. هكذا، صار للإذاعات دورها في سماع الخبر، وخاصة أثناء انقطاع الكهرباء.
يقول مدير البرامج في إذاعة «ميلودي أف أم» جورج حاجوج إنّ الأزمة التي نعيشها دفعت بالكثيرين إلى البحث عن تنوع المصادر في الخبر، من مرئي ومسموع ومقروء وإلكتروني. وفيما يخص المتابعة الإذاعية، يقول إن «الأزمة ساهمت في رفع نسبة المستمعين، مقارنة بما كانت النسبة عليه قبلها»، مشيراً إلى أن «المفارقة التي تحضر هنا، هي أنّ تكرّار انقطاع التيار الكهربائي ولساعات طويلة دفع بالكثيرين للجوء إلى المحطات الإذاعية، من خلال استخدام أجهزة الهاتف الخليويّة وعبر الإنترنت أيضاً للاستماع إلى البث الإذاعي».
ولم تترك وسائل التواصل الاجتماعي الإذاعات بعيدة عن تمددها نحو وسائل الإعلام التقليدية، ففرض العالم الافتراضي نفسه على الموجات والترددات الإذاعية. ويعتبر حاجوج أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الخبز اليومي للناس. ويقول: «لا يمكن العثور على وسيلة إعلامية، ومن ضمنها الإذاعات، إلا ولديها صفحة خاصة على «فايسبوك» تنشر من خلالها مختلف أنواع الأخبار، فضلاً عن الوسائل الأخرى المتاحة مثل «تويتر» و«يوتيوب» وغيرها». ويضيف: «بعض هذه الوسائل تسمح بنشر تسجيلات للبرامج الإذاعية، والتي صارت متاحة للجميع من خلال أكثر من مصدر، وهذا ما ساهم في توسيع شرائح المستمعين وتنوّعها وتوزّعها على فئات عمرية مختلفة، كل فئة حسب اهتماماتها».
ويعتبر حاجوج أنّ «هذا لا يعني أبداً أن لا مستقبل لوسائل الإعلام، ولا يعني أيضاً أن لا قدرة لهذه الوسائل على مواجهة زحف مواقع التواصل الاجتماعي الذي لا يرحم أحداً». وقال: «يظل هناك الكثيرون ممن يميلون إلى وسائل الإعلام التقليدية، كالتلفزيون والإذاعة والصحيفة بعيداً عن ضجيج الإنترنت، والفوضى التي فرخت الكثير من الظواهر». وتابع: «لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أنّ الإذاعات الخاصة، وخلال الأزمة، صارت تتعاطى مع الحدث السياسي بكل تفاصيله ومفرداته، وبسقف أعلى من سقف الإعلام الرسمي وهذا يفتح أمامها، مستقبلاً، أفقاً واسعاً للاستمرار والتطوّر».
عند الساعة الثالثة ظهر كلّ يوم، تبثّ إذاعة «شام أف أم» رسالة المراسل الحربي ثائر العجلاني عن الواقع الميداني والاجتماعي في البلاد، وهو يعمل على توثيق الحرب السورية. من القلمون إلى المليحة والغارة الإسرائيلية وصولاً إلى الغوطة الشرقية ينقل ثائر صوته. ويقول، عن تجربته في الإذاعة وصحيفة «الوطن» السورية، أنّ «الإذاعة سبقت الشاشة بعقدين من الزمن في نقل الخبر، فاستطاعت أن تؤسس لتقاليدها وأسلوبها الصحافي بعيداً عن أسلوب التلفاز والجريدة».
ويعتبر العجلاني أنّ تجربة الخبر الإذاعي في سوريا ما زالت خجولة، فالإذاعات الخبرية عددها تقريباً اثنان أو ثلاث. ويشير إلى أنّ «ظروف الحرب في سوريا فرضت على الناس الاهتمام بالخبر الإذاعي، وخصوصاً أنّه استطعنا خلال فترة الحرب أن نكون السباقين عبر إذاعة «شام أف أم» في نقل الخبر. ويوضح أنَّ «الخبر يحتاج لبثِّه عبر الإذاعة إلى هاتف جوال. والمختلف في الخبر الإذاعي أنّه يخاطب أذن المستمع فقط، ما يتطلّب التعامل بطريقة مختلفة عن الخبر التلفزيوني. أحاول أن أرسم صورة للمتابعين من وصف الحالة للمكان والبيئة الطبيعية، وهو ما يتطلّبه اختصاصي كإعلام حربي».
وعن تفاعل الناس مع الإذاعات، يقول «تفرض عمليَّة تزايد متابعة الناس علينا الإحاطة بكل اهتماماتهم الخَبرية وهمومهم، إذ خصَّصت رقم هاتف، عن طريق الواتساب، أتواصل به مع المستمعين على مدار اليوم، وهو مخصَّص للشكاوى والأمور الخدمية». ويضيف: «هذا الاهتمام له عدَّة أسباب، مثل انقطاع الكهرباء وشكاوى الناس، وهي مواضيع تتم تغطيتها على هامش التغطية الميدانيّة».
بين مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون والإذاعات يبحث المواطن السوري عن الصوت والصورة التي تنقل له الحدث والخبر والتحليل لما يحدث في بلاده، فتفاعل الناس مع الإعلام ما قبل الأزمة يختلف عمّا بعدها، فزاد الاهتمام والتنوع والخيارات، ما يؤسّس برأي مختلف المتابعين لمرحلة مختلفة في العمل الإعلامي، تبدأ من الأسلوب وصولاً إلى الرقابة وهامش الحرية.
وسام عبد الله/ السفير