لقد أثارت جريمة قتل 12 من محرري صحيفة شارلي ايبدو جدلا كبيرا حول علاقة الأديان بالتحريض على العنف. وطرح التساؤل عما إذا كان الإسلام أكثر تحريضا على العنف من الديانتين السماويتين الأخريين. والحقيقة أن كل الديانات تتضمن نصوصا مقدسة تحض على القتال أو استخدام العنف لغرض ما. وحول التجديف أو تدنيس اسم الخالق، تنفرد الديانة اليهودية بانزال عقوبة الإعدام بمن يسب الرب. فقد تضمن سفر اللاويين في التوراة القول: “أن عقاب من يسب الرب هو الموت وعلى الجماعة أن تنفذ ذلك رجما”. أما في الإسلام فقد اقتصر أمر الله بمن يسخر بالمقدس بأن نتجنبهم وذلك في قوله تعالى: “وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره” – (الأنعام 68). أما في المسيحية، ومع أنها مشهورة بقول المسيح من “ضربك على خدك الأيمن فأعطه خدك الأيسر” ، إلا أنه ينقل عن المسيح في إنجيل متى أنه قال: “ما جئت لأهبكم السلام، وإنما لأسلمكم السيف”.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هو ما مدى علاقة التصرف العنفي لأبناء ديانة معينة بالنص الديني الذي يشير إلى القتال أو إلى استخدام العنف؟ هل غياب النصوص الدينية الداعية للعنف أو ندرتها في دين ما يجعل من أهلها مسالمين؟ تاريخ المسيحية، وهي أقل الديانات السماوية إشارة إلى العنف في نصوصها لا يعكس ذلك. فتاريخ الشعوب الأوروبية والتي تبنت المسيحية وأصبحت مرجعيتها الدينية لا يتناسب مع مقولة المسيح الداعية إلى إعطاء الخد الأيسر بعد ضرب الخد الأيمن.
فهناك دائما قيادات سياسية ودينية، وفي ظل ظروف سياسية واقتصادية معينة، تصنع وعيا يحرض على العنف بين أبناء الدين الواحد نفسه وضد الديانات الأخرى أحيانا أخرى. والأمر لا يقتصر على الديانات السماوية، فحتى البوذية تصبح أيديولوجية عنف، وإلا كيف يفسر اضطهاد المسلمين الروهنجا من قبل البوذيين في بورما.
إلا أن ما تمر به معظم الشعوب العربية والإسلامية، من عدم استقرار سياسي وتدهور اقتصادي خلق وعيا دينيا متطرفا ساعد في تكوينه علاقتنا المضطربة مع الغرب. وفي ظل هذا الوعي، وجد بعض رجال الدين قدما لهم لتأجيج مشاعر العداء للآخرين إلى حد ارتكاب الجرائم باسم الدين. وترجع الدكتورة سيلا بن حبيب – أستاذة الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة ييل ردود الفعل المتطرفة للمسلمين إلى حالة اليأس الحضاري الذي يعيشونه. فحالة اليأس هذه لا تحتاج نصوصا دينية محرضة للعنف، وهي قادرة على ايجاد مرجعيتها المحرضة إن لم يكن نصا فتأويلا.
لذا ، فإن جميع الديانات: سماوية وغيرها يمكن ان تكون قصيدة محبة، كما يمكن استخدامها لشحن عواطف عدائية نحو الآخرين ولعل أكثرها حدة تلك التي يتم شحنها ضد أبناء الدين الواحد. فمشاعر الكراهية، تتحول عادة إلى طاقة هدامة تدعو إلى تدمير الآخر، لكنها في الحقيقة تدمر نفسها.
حامود الحمود / النهار