منذ عام 2003، تكررت اعتداءات عناصر من الأجهزة الأمنية المختلفة على أطباء يؤدّون مهماتهم، أو مواطنين نالهم شيء من السلوكيات العنفية لرجال أمن هنا وهناك. إلا أنّ النصيب الأكبر من هذه الانتهاكات طاول الصحافيين والإعلاميين في العراق. لكن ما حصل قبل أيام يؤشّر إلى أنّنا أمام سلطات أمنية لا تعير اهتماماً لسمعتها أولاً.
كما أنّ تعاملها المهين مع الإنسان أياً كانت وظيفته، يدل على أزمة في ثقافة هذه الأجهزة وفهمها لواجبها الأساس الذي هو حماية أفراد المجتمع لا الاعتداء عليهم وإهانتهم. يوم الأربعاء الماضي، قام الأمن التابع لـ «مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية» (مستشارية الأمن الوطني) الواقع في المنطقة الخضراء وسط بغداد، بالاعتداء ضرباً على عدد من الصحافيين بعد مشادة كلامية بين الطرفين. وإثر ذلك، نقل اثنان إلى المستشفى لتلقي العلاج، بعد كسر ذراع أحدهما، وهما مراسلا قناتي «السومرية» و«الغدير» سنان سعدي السبع وعلي البديري.
منظّمات ونقابات صحافية وناشطون مدنيون كثر دانوا الاعتداء. مدير «مرصد الحريات الصحافية» زياد العجيلي، قال: «ما جرى يدلّ على أنّ هناك استهتاراً واضحاً في استخدام النفوذ من قبل هذه الأجهزة»، في حين طالبت «جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق» رئيس الوزراء حيدر العبادي بتحمّل مسؤولية سلامة الصحافيين. وذكر بيان لـ «النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين» بأنّ «الاعتداء يستدعي إعادة النظر جذرياً في قانون حقوق الصحافيين بما يضمن فعلاً حقوقهم، وأوّلها حقهم في الوصول الحرّ إلى المعلومات وحقّهم في البث الحر لهذه المعلومات، وبما يحفظ لهم كرامتهم الإنسانية والمهنية، ويعاقب من يعتدي عليهم جسديّاً أو لفظياً»، إضافة إلى تعهّد نقابة الصحافيين وضع المعتدين خلف القضبان. صحيح أنّ الكثير من المسؤولين استنكروا الحادث ودانوه، من بينهم رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري ووزير الداخلية محمد الغبان الذي دعا الصحافيين المعتدى عليهم إلى رفع دعوى ومتابعة وزارته لها لضمان الحق الشخصي، إلا أنّ ذلك لن يوقف الاعتداءات أو حتى يغيّر الشعور السائد لدى منتسبي هذه الأجهزة بأنّ تمثيلهم للدولة في الشارع يحصّنهم من أي مساءلة.
لا شك في إنّ عموم العراقيين يقدّرون تضحيات رجال الأمن في حربهم ضد الإرهاب، لكنّ ذلك لا يعني أن تمرّ اعتداءاتهم من دون وقفة جادة تتّخذ فيها إجراءات وعقوبات رادعة. ترى، هل سيكون مصير لجنة التحقيق التي شكّلتها الحكومة بشأن الحادث الأخير كحال لجان سابقة لم نعرف نتائجها حتى الآن؟ الأمر المؤسف الآخر أنّ الصحافيّين الذي تجمهروا الخميس الماضي في ساحة التحرير في بغداد، وأقاموا وقفة احتجاجية على ما حصل لزملائهم في المنطقة الخضراء، لم تمرّ تظاهرتهم من دون مشادات كلامية وحتى تبادل الشتائم بينهم من جهة وبين عناصر الشرطة الاتحادية من جهة أخرى. المعركة الحالية لرجال الأمن هي مع «داعش» حتماً، إلا أنّ بعضهم يصرّ على أن يجعل جسد الصحافي ساحةً لمعركة يشعلها هو بنفسه ويؤلب الرأي العام ويثير سخطه.
حسام السراي / الأخبار