82 عاماً، طفلاً نشأ وترعرع في قنات ـ بشري، وتلميذاً في الإكليريكية وجامعياً في جامعة القديس يوسف، حيث نال إجازة في اللاهوت، وفي الجامعة اللبنانية حيث نال إجازة في الفلسفة، وفي معهد الآداب الشرقية حيث حاز ديبلوماً في علم الإجتماع.
تمرّس المطران البيسري في التعليم ودرّس الفلسفة في معاهد خاصة ورسمية وأتقن العربية والفرنسية والإنكليزية والسريانية، وعنده المام باللاتينية، وهو تتلمذ لاهوتياً على المثلث الرحمة المطران عبده خليفة وتعاون معه في مؤلفات وجمع مخطوطات ووثائق بالسريانية، كذلك نشط في الترجمة، وإذا به أقرب إلى “معجم الكنيسة” مؤلفاً وكاتباً نحواً من 32 كتاباً، آخرها كتاب “سنكسار البطاركة الموارنة” (الذي يؤرخ الأساقفة القديسين ولاسيما الشهداء منهم)، الذي لا يزال قيد الإنجاز. ذلك الخوري الذي انتخب مطراناً في مجمع أساقفة برئاسة البطريرك مار نصرالله صفيرعام 1991، حافظ على مكانته الفكرية بين كتبه التي تعد بالآلاف في مكتبه الغارق في سكينة باردة، ولكن منعشة وصحية، في الطبقة السفلية من المقر الصيفي للبطريركية في الديمان.
وإلى صفة المفكر والفيلسوف، ثمة صفة أخرى طبعت شخصية البيسري بل لاصقتها، وهي الأسقف المحبب ذو الوجه المشرق والباسم.
فالنائب البطريركي السابق على جبة بشري كان خفيف الظل ذا نكتة جاهزة. وقد تكون من أبرز هذه الطرف تلك التي سردها الإمام عبد الأمير قبلان عندما توجه إلى الديمان برفقة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وبعد الغداء تمشى الجميع مع البطريرك إلى كرسي المطران الحجر فوق وادي قنوبين السحيق، وهنا مازح قبلان البيسري سائلاً ما رأيك لو دفعناهما فتصبح أنت البطرك وأنا الإمام، فرد البيسري بسرعة بديهة لافتة: إنت هيّنة عليك لأنك وحدك، أما نحن فخمسة نواب بطريركيين، منقتّل بعضنا” وضحك الأربعة حتى الثمالة.
والبيسري إبن بشري آلمه سجن الدكتور سمير جعجع عام 1994، كما آلم البطريرك صفير الذي لم يتمكّن من كتم غيظه من “الكيدية” التي يعامل بها القادة المسيحيون، بدءاً بنفي العميد ريمون إده وبعده نفي العماد ميشال عون، ثم سجن جعجع، فوافق على طلب قائد “القوات اللبنانية”الذي نقلته اليه السيدة جعجع “أن الحكيم يريد لقاءات روحية مع أحد الكهنة، ورأى أن البيسري هو خير من يقوم بالمهمة.
11 سنة في السجن، وزيارة لنصف ساعة كل شهر في الزنزانة… ثم كان كتاب “بين المطران والحكيم”.
“سنكسار الكنيسة” الأسقف الباسم رحل ولم يودّع أحداً.
حبيب شلوق / النهار