تحقيق استيل صهيون
وطنية – دخلت التكنولوجيا بأجهزتها الحياة اليومية لكل فرد، واحتلت حيزا مهما من احتياجات الانسان التي لا يمكنه الابتعاد عنها كي لا يرى نفسه خارج “لعبة الحياة وموضتها”، حتى باتت تتخذ جزءا من اهتمامات الاطفال وأوقات فراغهم، لتحل بدلا من اللهو بـ”الكلة” او “الطابة” والاستفادة من الألعاب التثقيفية وممارسة الهوايات الرياضية.
نعم، فهي على وشك ان تحل بدلا من أهل الطفل وإخوته واصدقائه، اذ اصبحت الأسلوب الأسهل لتهدئته واسكاته وتخفيف شغبه عن الأهل، ولكن هل هذه الطريقة المتبعة من قبل الأهل مناسبة للطفل؟ وما تأثير هذا الإنغماس البعيد عن الألعاب التقليدية عليه؟
طنوس
تؤكد المعالجة والمحللة النفسية تانيا طنوس، في حديث ل”الوكالة الوطنية للاعلام، ان فترات اللعب مهمة للطفل لنمو عقله، اذ يحتاج الانسان ان يعيش طفولته، خصوصا في السنوات الست الاولى من عمره.
وتبرز طنوس أهمية الالعاب التقليدية المتنوعة التي كانت تشغل الولد، موضحة انها تؤثر ايجابيا على حركة الجسد لديه التي تنعكس على نمو الدماغ وتشكل جزءا ضروريا لنموه الفكري في المستقبل. وتلفت الى ان هذا النمو يعرقل في ظل هيمنة “الأيفون” و”الأيباد” والامبراطورية الرقمية على ألعاب الطفل، لتحول عقله الى آلة مبرمجة شبيهة بالآلات الإلكترونية الأخرى.
وشرحت طنوس دور الحواس في تخزين المعلومات في الذاكرة، مشيرة الى انها تنمي الذكريات لدى الطفل كما تطور حس الإبداع لديه، تنمي الطفل بشكل جيد حين يلعب ويركض ويمرح او حينما يفكر ليحل لعبة معينة. وقالت: “هذه المكتسبات لا يحظى بها الطفل حين يجلس لساعات وساعات امام الكومبيوتر او اي جهاز كان، فهذا الامر لا يشغل الحواس وبالتالي يؤدي الى فراغ في الذاكرة من الأحداث، مؤكدة “ان الذاكرة بحاجة لوقت قصير كي تخزن المعلومات ما لا تسمح به التكنولوجيا للفرد فتولد له مشاكل على المدى البعيد”.
وشددت على أهمية الألعاب القديمة التي اعتاد الشباب عليها منذ الصغر، معتبرة ان الانسان الناجح هو من يتمتع بالحس الإبداعي، ما لا تقدمه تكنولوجيا اليوم بل تنعكس سلبا عليه وتحد من هذا الابداع ليصبح اشبه بآلة تقوم بالعمل ولكن من دون إخراج او ابتكار اي شي جديد.
وقالت: “المرحلة الأهم من حياة الطفل في عمر الـ 6 سنوات، حيث يتميز الطفل بالخيال الغني، لذلك يبادر بالكلام مع نفسه وتأليف السيناريوهات وهو امر طبيعي، فالخيال له دور في تخطي الكبت الذي يعيشه الولد في هذه السنوات”.
اضافت: “من خلال اللعب ايضا، يتعلم الطفل الكلام والتعبير، كما يتمكن من توجيه نفسه بسبب الحوادث التي يمر بها اثناء هذه الفترة فتشكل لديه معرفة جديدة، فيدرك “حس الوقت والزمان” ويستطيع توجيه نفسه”.
وأوضحت “ان هذه الخصائص تتشكل من خلال قضاء الطفل وقتا باللعب والتحرك والنشاط، ما لا يؤمن مع هيمنة التقنيات الحديثة على برنامجه اليومي، فاللهو بها لساعات لا يؤمن هذه الضروريات، معربة عن اسفها لان هذه التقنيات لا تساعده على بناء الخيال الصحيح كما تعيق حس الزمن لديه، بل انها تبعده عن الطفل الآخر وتدمجه بشكل خاطئ في عالم الكبار”.
وشددت طنوس على “دور الالعاب الجماعية في تكوين شخصية الولد بعد عامه السابع، وتشجيع الأهل على دمج اولادهم في ألعاب الفرق، فيتعلمون احترام القوانين وتطبيقها، اضافة الى تعلم المشاركة وضبط النفس وتقبل الآخر والصفات الحسنة التي تكون شخصية اجتماعية واعية ومميزة. هذا الجانب الايجابي يضاف الى الفائدة الصحية من ممارسة الرياضة عكس ما ينجم عن الالعاب التكنولوجية من عوارض الكسل والخمول يرافقها مشاكل في الصحة تظهر بعد حين”.
وتلاحظ المعالجة النفسية طنوس ان التكنولوجيا واندماجها بالعاب الاطفال تخلق مشاكل لدى الطفل على اصعدة عدة. فهي تؤثر على الولد وتدمر إحساسه فيصبح شخصا غير مبال”. وتوقفت عند مخاطر الالعاب التي تركز على مشاهد الدم والقتل والخطف وغيرها من افعال العنف. وقالت: “تضر هذه الإختراعات بتراتبية الاجيال والروابط الاسرية، فقد كان الولد يحترم كبار السن وأبويه ويطلب المساعدة والحماية منهما، الا ان هذا التغير ادى الى اعتبار نفسه متساو مع اهله بالمعرفة، ما يقف حاجزا في وجه العلاقة بين الطرفين واحترامه لهما”.
وتطرقت طنوس الى الامراض النفسية والجسدية وامراض الدماغ التي تبدأ بالظهور بعد سنوات طويلة تفوق الـ15 عاما، وتؤكد “ان هذه الممارسات الخاطئة تؤدي الى الانعزال الاجتماعي والأنانية وحب الذات”.
الحلول
امام هذه المخاطر، شددت طنوس على ضررورة ابعاد الطفل في السنوات الاولى عن التكنولوجيا ومتابعة عدد من الحلول”، فأشارت الى “دور الأهل في الحفاظ على اولادهم بعدم الإنجرار الى الموضة والتشبه بالآخرين من جيران وأقارب، فهذا منطلق خاطئ يضر بالأولاد”، مؤكدة “ان الطفل ليس بحاجة للتكنولوجيا في السنوات الست الاولى، وبالتالي فان وجودها غير مفيد له، وبما انه سيجبر على استعمالها عندما يكبر نصحت الاهل بإبعادها عنه خلال الفترة الاولى، خصوصا وانها تخلق له اهدافا سطحية”.
وأسفت لان “الاهل يستعملون هذه الالعاب لتهدئة الطفل واعادة الهدوء الى المنزل، ما يساهم في ان يبدد وقته بهذه الامور ويبعده عن والديه، من هنا يركز الطب على اهمية البقاء بالقرب من الولد ومشاركته اثناء اللعب بهذه الآلات الحديثة، منتبهين على عدم قضاء اوقات طويلة امامها ففي النهاية لن تنصب لمصلحته. هذا الاهتمام يسعى لتمتين العلاقة بين افراد العائلة ما يجنبه الوقوع في المشاكل في عمر أكبر، اذ ترجح طنوس ان اسباب الانتحار عن عمر كبير يتجاوز الاربعين يعود لهذه الفترة التي يعاني الشخص فيها من فراغ بذكريات الطفولةما يسبب له حالات اكتئاب وحزن يدفعه للتخلص من هذه الحياة في لحظة ضعف”.
وشددت طنوس على “الحلول المنطقية التي تركز على التفاعل بين الاهل والاولاد وممارسة الرقابة عليهم”، مشيرة الى ان لعبتي الـ”puzzle” والـ”Lego” يساهمان في نمو ذكاء الولد وتطوير خياله، كما للالعاب التقليدية المعروفة اهمية في تأسيس شخصية الفرد منها الـ”بيت بيوت” ولعبة “الدكتور والمريض” والسيارات والدمى وغيرها”.
اليوم، تواجه كل عائلة مخاطر التكنولوجيا، عليها الاستفادة منها من دون ان تتحول الى خطر على الاطفال الذين سيدفعون الثمن عندما يكبرون. الدور الاساس يقع على كل ثنائي اختار تأسيس عائلة صالحة وقرر الدفاع عنها من خلال تطبيق واجب الأب والأم وممارسة دورهما في الحفاظ عليها، فينجحان بشكل ذكي من الاستفادة مما تقدمه التكنولوجيا من معرفة وحسنات يصعب انكارها في مقابل تجنب نقل المضار المترتبة على العائلة والاولاد في آن معا.