نتذكر ونطالب”.. كلمتان تختصران قضية الشعب الارمني في الابادة التي فتكت باجدادهم منذ مئة عام في اضنه ومناطق اخرى من ارمينيا على يد السلطنة العثمانية. لا يريد الارمن من العالم الا إنصافهم في قضيتهم التي دفعوا ثمنها مليونا وخمسمئة الف شهيد. لا يريدون سوى تحقيق العدالة، الحجر الاساس لشرعة حقوق الانسان، وبعد العدالة يطالبون تركيا بتعويض الاضرار المادية والبشرية التي تكّبدها اجدادهم.
في الذكرى المئوية للابادة، التي اصبحت من اهم القضايا المطروحة في كواليس الديبلوماسية الدولية، خص كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا آرام الأول كيشيشيان صحيفة “النهار“، بمقابلة أطلق خلالها سلسلة مواقف مرتبطة بهذه القضية التي قال”لن نتوقف عن المطالبة بإنصافها”. واضاف: “نحن لا نعادي تركيا، لكننا نطالبها بالاعتراف بالابادة وتعويض الاضرار البشرية والمادية، كي ننطلق في مسيرة جديدة من العيش المشترك”.
وفي ما يلي النص الكامل للمقابلة:
*أين أصبحت المسألة الأرمنية بعد مئة عام على الإبادة؟
-القضية الأرمنية قضية عدالة. والذكرى المئوية للإبادة هي تذكير لنا جميعاً، بما في ذلك المجتمع الدولي وتركيا، بأن قضيتنا هي قضية عدالة. الإبادة الأرمنية واقع تاريخي لا يمكن إنكاره ولا نسيانه. لقد فقدنا، من خلال الإبادة التي خطّط لها جيداً الأتراك العثمانيون في تلك الحقبة ونفّذوها بمنهجية، مليونأ وخمسمئة الف أرمني. وقد تم تدمير (أو مصادرة) آلاف الكنائس والأديرة والمراكز الاجتماعية الأرمنية، بما في ذلك أملاك أرمنية خاصة ومعالم ومقتنيات روحية ودينية وثقافية ذات قيمة كبيرة جداً. هذه هي الوقائع، لا يستطيع الأرمن أن يلتزموا الصمت أو أن يكونوا لامبالين. فالنضال من أجل العدالة هو جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية للشعب الأرمني.
*كيف تلقيتم استخدام البابا فرنسيس كلمة “الإبادة” من أجل الإشارة إلى القتل الجماعي للأرمن؟
-كنت في الفاتيكان، وقد تناقشت مع قداسة البابا في إحياء ذكرى الشهداء الأرمن والكلام الذي صدر عنه. أحيي هذا الموقف الواضح والشجاع الذي اتخذه قداسته. كما قال، يجب أن تبقى الأخلاق فوق السياسة. يجب أن تبقى الحقيقة فوق ما يُعرَف بـ”المصالح الجيوسياسية”. كلام قداسة البابا ينسجم مع التاريخ. قال إن الإبادة الأرمنية واقع تاريخي، وإنها الإبادة الأولى في القرن العشرين. في الكلمة التي ألقيتها في الفاتيكان خلال القداس الإلهي، رحّبت بهذا الموقف الواضح الصادر عن قداسة البابا وأشدتُ به. بناءً عليه، فإن الأبعاد الثلاثة المتمثّلة بإدانة الإبادة والاعتراف بها والتعويض، مترابطة ترابطاً وثيقاً. بموجب القانون الدولي، الإبادة جريمة ضد الإنسانية.
*تركيا انتقدت موقف البابا فرنسيس من الإبادة ورفضت مجددا الاعتراف بها، ما تعليقكم على الموقف التركي؟
– لسوء الحظ، تحاول تركيا أن تضع كلام قداسة البابا والمطالبة الأرمنية بالعدالة في سياق ديني. هذه المقاربة غير مقبولة، لم تكن الإبادة الأرمنية مرتبطة بمبادئ أو قيم دينية. بعبارة أخرى، لا علاقة لها على الإطلاق بالدين. كانت الإبادة الأرمنية جزءاً من السياسة والعقيدة البانطورانية التي انتهجها اتحاد “تركيا الفتاة” في الأمبراطورية العثمانية. وبحسب هذه العقيدة، يجب أن تكون كل الدول والشعوب الخاضعة للأمبراطورية العثمانية، ذات الأصول الإثنية والثقافية التركية، جزءاً من أمبراطورية واحدة هي الأمبراطورية العثمانية. كان الأرمن عائقاً أمام هذا المخطط، لأنهم كانوا يملكون حضوراً راسخاً ومنظّماً جداً في الامبراطورية العثمانية. لذلك من أجل تطبيق ما يُسمّى “السياسة البانطورانية”، أرادوا القضاء على الوجود الأرمني في الأمبراطورية العثمانية. هذا كان الهدف من الإبادة. لذلك أكرّر أن ليس للدين أي علاقة بالإبادة. عاش الأرمن والمسلمون معاً طوال قرون، في أجواء من الاحترام والتفاهم المتبادلَين. نحن لا نعتبر تركيا عدواّ لنا، لكن لدينا مطالب. أجداد تركيا الحالية قتلوا أجدادنا، لذلك لا يمكننا التزام الصمت. على المجتمع الدولي ألا يلتزم الصمت، وعلى إخوتنا وأخواتنا المسلمين ايضا ألا يلتزموا الصمت. الإبادة هي إبادة، والصمت نوع آخر من الإبادة. ونحن نؤيّد المصالحة، بين الأمتين الأرمنية والتركية، لكن من أجل هذه الغاية، ينبغي لتركيا أن تتصالح أولاً مع تاريخها، عليها أن تقبل بوقائع تاريخها.
*ناشد البرلمان الأوروبي وواشنطن تركيا الاعتراف بالإبادة الأرمنية. هل تعتقدون أن هذا الموقف كافٍ ومفيد؟
– آمل من المجتمع الدولي اتخاذ موقف جازم من الإبادة الأرمنية، ليس فقط من أجل الاعتراف بهذه الواقعة التاريخية، إنما أيضاً للحؤول دون وقوع إبادات، وفظائع ومجازر جديدة. التاريخ يكرر نفسه من خلال ما يحدث في سوريا والعراق ضد الأقليات، بمن فيهم المسيحيون. يجب أن تخرج الأديان عن صمتها.
*ما هي الرسالة التي توجّهونها عبر “النهار” إلى شعبكم في أرمينيا والبلدان الأخرى في الذكرى المئوية للإبادة؟
– رسالتنا واضحة جداً، جميع الأرمن، أينما كانوا في العالم، يردّدون أمراً واحداً: “العدالة والعدالة والعدالة”. العدالة هبة من الله. أي موقف أو تصرف مناوئ للعدالة، بعبارة أخرى، أي شكل من أشكال انتهاك العدالة، هو إثم يُرتكَب بحق الله. العدالة هي في صلب القانون الدولي والاتفاقات الدولية. لا ننتظر مواساةً أو نصائح أو دروساً من تركيا أو من جهات أخرى. إذا كنا ملتزمين العدالة، علينا أن نساند القضية الأرمنية.
فرج عبجي / النهار