كم كانت الصدمة وإرتداتها قوية عليّ، عند دخولي إلى أحد المكاتب الرسميّة في الدولة، ووقع نظري على البرواز الفارغ وراء المكتب، لا صورة فيه ولا هيبة. إنّ الفراغ هو دائمًا في حالة انتظار من يملّيه، وهو لا معنى ولا لون له…
الوجود أجمل من عدمه. ولا داعي للتطرّق إلى المعاني الفلسفية، ولكن إذا فكّرنا مع ابن رشد في نظرية الفراغ شارحًا:” إذا كنت في حالة الفراغ، ولا يمكنني أن استعمل اي من حواسي، في داخلي وعي بأنّي موجود.” ولكن أي معنى لجسم بلا رأس، على الرغم من أن الإنسان يستطيع أن يببقى على قيد الحياة إذا اصيب بالموت الدماغي، ولكن لا يستطيع ان يقوم بأي عمل، هذه هي حال الدولة. يبقى الامل بالقلب النابض علّه يعود ويعطي الدماغ الحياة المرتجاة.
ضربت السياسة اللبنانية نظرية ديكارت الفلسفية :”أنا أفكّر إذًا أنا موجود.” بل ذهبت إلى الأبعد بنظرية آخر:”فليندثر كل شيء، وأبقى أنا موجود”.
لا قيمة في مجتمعنا للوطن، كيف للمواطن، فهل نتأمّل الجلسة الرابعة وعشرين لإنتخاب رئيس الجمهورية مرت، وشهر وعام من الفراغ، والبرواز ما زال فارغأ من صورة، ولا من يتحرك.
إنّ فلسفتنا اللبنانية، هي أنّ لا معنى للنقص أو الشغور أو الفراغ في حياتنا، ولا حاجة إلى معركة إنتخابية. في تاريخنا الحديث، سيطرت على عقولنا نظرية لا غالب ولا مغلوب. ونعوّض عن النقص بالهروب، وعن المواجهة بالمراضاة. الإنسان الناضج هو الذي يتحمل مسؤولية أعماله ويقوم بواجبه ومن ثم يطالب بحقوقه، أما مجلسنا النيابي، يمدد لنفسه، ويزيد سلسلة معاشه ومخصصاته، ولا يفكر بمن ينوبون عنهم، إنّهم حقًا صور فارغة لا بل صور تذكارية لوجود دولة ديموقراطية كانت.
إن السياسات العربية لا قيمة عندها للأفراد، وحتى الشعوب. فيا ايتها الطبقة السياسية عندنا، إعذريني واعذري اللبنانيين، قد كنّا طويلي الآنات، فأنتِ ما قدمتِ شيئًا لنا سوى الخدمات الوهمية.
كفى استخافًا بالعقول، كفى مياعة بالتعاطي، قوموا بواجبكم، إن الشعب اللبناني ليس غفورًا رحيمًا، إملأوا لنا البرواز الفارغ، واذهبوا أنتم إلى الجحيم… وشكرًا لكم على كل ما قدمتم