تحقيق فاديا دعبول
وطنية – اكتسبت قلحات شهرة، وازدهرت فيها الحياة الاقتصادية والعمرانية بفضل ابنائها والمؤسسة البلمندية التي اعادت ربط البحر بالجبل، في سلسلة من المشاريع المتلاحقة، يتوجها قريبا ارتفاع بنيان المركز الطبي الجامعي، ما يجعل من قلحات قلب الشمال النابض.
وما يميز قلحات عن سائر قرى وبلدات الكورة ارتفاعها الذي يتجاوز ال350 م، وتغتسل أقدامها عند شاطئ البحر حيث كانت الملاحات وكروم الزيتون، تشكل مورد رزق اساسي للاهالي، ويعتمد عليها في المعيشة. الا ان هجرة بعض القلحاتيين، وظروف الحرب، والتوجه للعلم في المدارس والجامعات الخاصة دفعت الى بيع الملاحات التي لم يبق لها من ملاكين في قلحات الا الاخوين مالك وجورج مالك. كما ان العديد من كروم العنب والتين والزيتون غزتها حضارة الباطون، وتوجه اصحابها الى الوظيفة او الاعمال الحرة ولم يبق من يعمل في الحقول واستثمار خيرات الطبيعة، من الزيتون والزيت والعسل وزهر الليمون..على نطاق واسع، الا شاكر وابراهيم وهبة.
يذكر ان قلحات كانت تتألف من مجموعة قلاع حتى قيل ان اسمها جاء من قلعات. واسم البلدة يعني الهجمات والثورات. وقد ورد ذكرها في رسائل رعمسيس الثاني في القرن الثالث قبل الميلاد. ما يشير الى انها تعود لعهد الفراعنة. هاجر كثير من اهلها ابان الحرب العالمية الاولى، ومن بعدها خلال سبعينيات القرن الماضي جراء الحرب الاهلية، ولم يعد منهم احد. فانتشروا في الاورغواي واستراليا واميركا. ومع الثورة البترولية في الخليج، توجه غالبية شبان قلحات للعمل هناك، بشهاداتهم الجامعية. ما ساهم في نهضة عمرانية محلية بلغت اوجها مع انطلاق جامعة البلمند، واستقطابها الطلاب من لبنان والخارج. بحيث شيد ما يزيد عن خمسة مجمعات سكنية للطلاب، عدا عن المحال التجارية والمقاهي والمطاعم ومصرف للاموال وتاسيس اول شركة للتكنولوجيا” A Star” . ما فتح مجالات للعمل امام المقيمين من ابناء البلدة في مجالات شتى، اضافة الى انتساب البعض للمؤسسة البلمندية ان في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي او في الثانويتين الفرنسية والانكليزية او في الجامعة وكلياتها المتنوعة الاختصاصات.
هذه البيئة العلمية والحضارية عملت على تنشيط “نادي قلحات الثقافي الرياضي”. اذ انه تاسس في العام 1971 وتميز برياضة كرة الطائرة، اضافة الى نشاطاته الاجتماعية والثقافية. الا انه مع تولي الشاب انيس فوزي نعمة نيابة الرئاسة من العام 2001 حتى 2012 تاريخ توليه الرئاسة واستمراره فيها حتى اليوم نقل النادي من فريق واحد بالدرجة الرابعة للرجال الى ثماني فرق مشاركة في الاتحاد للرجال والسيدات والناشئين والناشئات من كافة الفئات العمرية ومن الكورة والشمال. حتى تجاوز عدد اللاعبين واللاعبات ال90. وبذلك انتقل الفريق الى الدرجة الثالثة واحرز فريق الاناث كاس لبنان في بطولة الاتحاد. وتمكن النادي من حصد اكثر من سبع ميداليات فضية وبرونزية لفرق الرجال والسيدات. وتمت اضافة لعبة المضرب وتنظم دورتين للتنس سنويا للجنسين بحيث يشاركون بدورات الاتحاد جميعها. كما يشارك النادي في ماراتون مجلس الانماء وماراتون بشمزين واحرز ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية. اضافة الى مشاركته في دورات بينع بونغ وفوتبول وكرة طائرة وشاطئية. وينظم النادي سنويا نشاطات ترفيهية وكرمس ورحلات ويقيم احتفالات بعيدي الام والميلاد ويوزع فيها الهدايا. وللنادي محطة سنوية في مهرجان كرة الطائرة التي ينظمها برعاية قائد الجيش ويتخللها تكريم الناجحين في الشهادات الرسمية برعاية البلدية حيث يتم تقديم جوائز مالية ودروع تقديرية.
وفي اطار النشاطات الثقافية يقيم النادي مهرجان “قرية تراث” وندوات، ودورات في اللغات والكومبيوتر. واطلق النادي، الصيف المنصرم، وللمرة الاولى، مهرجانات قلحات الفنية حيث استضافت الفنان زياد الرحباني. ويعمل النادي حديثا على مكافحة المخدرات، في نشاطات مختلفة، وذلك ضمن جمعية الشباب اللبناني للتنمية وقد تولى نعمة منسقية الكورة فيها.
ويرى نعمة ان الرياضة بمثابة مدرسة تجمع التربية البدنية والخلقية. لا سيما ان النادي يضم لاعبين ولاعبات من كافة المناطق والطوائف بحيث يشكل صورة مصغرة عن الوطن الذي يطمح اليه.
ولبلدية قلحات الفضل الكبير في انماء البلدة، ويعمل رئيسها سليمان نادر على فتح طرقات اساسية وفرعية لتخفيف زحمة السير في محيط جامعة البلمند. كما افتتح حديقة عامة واقام ممرات للمشاة، وبنى جدران دعم وحيطان مكردسة. وهو يسعى لانشاء قصر بلدي بديل عن المبنى الحالي المقدم من احد ابناء البلدة.
ويشيد مختار البلدة رضوان موسى بالترابط العائلي والاجتماعي السائد في قلحات. ويرى ان البلدة مثال يحتذى في التعاضد رغم تراجع العادات التي كانت سائدة في الارياف، وارتفاع نسبة الهجرة، وتحول اهتمام الاهالي عن الزراعة والارض الى الوظيفة والاعمال الاخرى.
من أبرز العائلات في قلحات نصر، نعمة، موسى، وهبة، حاماتي، سابا، الياس، نادر، شمعون، سليمان، مليس، شاهين، الحاج، خوري، جبور، المر، جرجس، مالك، العازار، عبدالله و نصرالله. وغالبيتها تعود لآل نصر وفق المختار.
تميز في قلحات في نظم الشعر ميشال وموسى خوري، بالاضافة الى كل من الراحلين نعمان، سليمان، نسيم وروح نصر وادمون نادر. وتبوأت شخصيات من البلدة مراكز مرموقة في لبنان والمهجر ومن ابنائها رئيسة المنطقة التربوية في الشمال نهلة حاماتي نعمة، منفذ عام الكورة في الحزب السوري القومي الاجتماعي الدكتور باخوس وهبة، طبيب قضاء الكورة ميشال نعمة، المفتش العام السابق فوزي نعمة، المدير السابق لمصرف لبنان في طرابلس ميشال ملحم، العميد السابق لكلية الهندسة الدكتور عطا جبور، مدير الاستثمار في مؤسسة مياه لبنان الشمالي المهندس كابي نصر، المديرة السابقة لمعهد السياحة في الدكوانة اوديت شاهين قطريب، ميشال عيسى وقد دخل مجموعة غينس في المهجر في صناعة اكبر قطعة كاستر، عميد كلية ادارة الاعمال في جامعة البلمند الدكتور كريم نصر، عميد مكتب شؤون الطلاب الدكتور طوني جرجس، اضافة الى شخصيات برزت على مستوى الوطن مثل الدكتور جاك نصر والطبيب وليد نصر. وفي اميركا لمعت الباحثة صونيا نصر، وهناك العديد من الاطباء والمهندسين ورجال الاعمال والقادة الامنيين من البلدة والمقيمين فيها، وقد سجلوا نجاحات باهرة.
يسكن قلحات فعليا ما يقارب ال1300 نسمة. فيها ثلاثة كنائس للروم الارثوذكس مار جاورجيوس، مار سركيس ومار موسى، وكنائس دير سيدة البلمند البطريركي.