على العقار 642 في منطقة جبيل العقارية الذي يضم ميتم “عش العصافير” وتملكه كاثوليكوسية الارمن لبيت كيليكيا، يقوم مشروعان: الاول بيئي- سياحي، تستثمره مجموعة من الوزراء ورجال الاعمال الارمن، بالشراكة مع الوزير السابق جان- لوي قرداحي في القسم الساحلي منه، والثاني انشاء متحف عالمي يدوّن وقائع الابادة الارمنية، ويروي قصة الايتام الذين نجوا منها وعاشوا فيه تخليدا لذكراهم ومعاناتهم. لكن قاضي الامور المستعجلة أوقف العمل بالمشروعين معاً.
يشمل مشروع تأهيل الميتم انشاء متحف وكنيسة ومدافن جديدة ستنقل اليها رفات الايتام من المدافن القديمة، لتوضع الى جانب مدفن مؤسسة الميتم ماريا جايكبسون التي طلبت في وصيتها دفنها الى جانب هؤلاء الاولاد الذين كانوا ينادونها “ماما”، مع نصب ولوحة تذكارية تحمل اسماءهم. وتؤكد مصادر المديرية العامة للآثار انه لن تقوم اية انشاءات جديدة في موقع المدافن القديمة بعد نقل الرفات منها، بل سيبقى منطقة عازلة بين المشروع السياحي والتل الاثري.
لكن مشكلة برزت فجأة واعاقت المشروع، عندما رفضت عائلة احد الايتام المدفونين نقل الرفات، ولجأت الى بلدية جبيل طالبة مؤازرتها ووقف اشغال النقل التي بدأت الاثنين الفائت، الا ان البلدية اكدت ان لا شأن لها بهذا الموضوع. كذلك فعلت وزارة الثقافة التي ابلغت من يعنيهم الامر ان “القرار بنقل الرفات والمدافن من مكانها، هو أمر يخص الطائفة الارمنية وحدها، وهو شأن ديني بحت لا تتعاطى المديرية به، وهذا اجراء تتبعه دائما في كل ما يتعلق بالامور التي تعود الى الطوائف والاوقاف”، على ما اكده مصدر رفيع في المديرية لـ”النهار”.
عندها رفعت العائلة دعوى امام قاضي الامور المستعجلة في جبيل جوزف عجاقة، طالبة وقف نقل الرفات، فأصدر قرارا بوقف الاشغال في المشروع وفي كامل العقار، في انتظار رأي مديرية الآثار التي ستعطيه قريبا، ليعود اليه البت نهائيا في الموضوع.
تنقيبات وتعديلات
وكانت وزارة الثقافة – المديرية العامة للاثار عرضت فكرة المشروع على “مركز التراث العالمي” الذي طلب اجراء دراسة الأثر البيئي والاثري للمشروع تمكن “الاونيسكو” من اعطاء رأيها النهائي، خصوصا انه يقع في منطقة اثرية غنية ودقيقة. وبالفعل يجري فريق يضم خبراء آثار واختصاصيين بيئيين دراسة علمية وفنية للتأكد من ان المشروع لن يؤثرعلى الموقع الاثري ومحيطه، كما يقوم فريق من مديرية الآثار بأعمال تنقيب اثري في الموقع منذ نحو 6 اشهر، لإدخال تعديل على خرائط المشروع عند ظهور اي اكتشاف اثري.
الأمر للجنة الادارية
من ناحيتها اكدت مصادر مجلس الادارة في الميتم انه “تم الوقوف على رأي اهالي الايتام المدفونين، ووافقت اغلبيتهم على نقل الرفات، معتبرين انه لشرف كبير لهم ان يدفن اولادهم الى جانب هذه المرأة العظيمة وفي هذا الموقع والاطار الفريد ، وعرضنا بكل احترام على من لم يوافقوا ان ينقلوا رفات اقربائهم الى اي من المدافن الارمنية الرسمية التي يريدون”. ولفتت الى ان هذا المجلس هو “السلطة الوحيدة المخولة التصرف في الشؤون الداخلية للميتم عموما، وبمساحاته خصوصا، وان كل ما تقوم به يجري وفقا للقانون”. واشارت الى ان “عائدات المشروع قيد البناء الذي تجري اعماله باشراف مديرية الآثار، ستساعد في ترميم بعض مباني الميتم التي اصبحت تشكل خطرا على القاطنين فيه والزائرين، وفي انشاء المتحف والكنيسة ومساعدة الطائفة الارمنية ككل. علاوة على ذلك، هذا العقار هو ملك خاص، ولا يقع في اطار المنطقة الاثرية، وكل كلام عن ان اقامة هذا المشروع تمنع وصول العموم الى البحر، هو مغلوط ويتسبب بمشاكل الجميع بغنى عنها”.
كيشيشيان منزعج
اوساط مقربة من كاثوليكوس الارمن الارثوذكس آرام الاول كيشيشيان عبرت لـ”النهار” عن “استغرابه وانزعاجه من الحملة التي تستهدف هذا المشروع والطائفة الارمنية من ورائه، وأكد ان لا احد يعرف مصلحة رعيته او يحرص عليها اكثر منه، وانه يفخر بهذا المتحف الذي يعتبره انجازا عالميا ثقافيا واجتماعيا، كونه يعرض تاريخ الارمن، وثائق وصورا عن الابادة، جمعت على مدى سنوات من الشتات والجاليات الارمنية المنتشرة في كل انحاء العالم”.